بط معاناة المرأة الفلسطينية اللاجئة ارتباطا وثيقا بظروف اقتلاعها وتشريدها من أرضها في أرجاء الأرض. هذه المعاناة لم تخف وطأتها بعد ثمان وخمسين عاما على كارثة اللجوء؛ حتى وإن كانت الأرض التي احتضنتها هي جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين التاريخية، وجزء من هويتها الوطنية والسياسية والثقافية. فالمكان الأصلي بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص مرتبط بتحقيق الاستقرار المادي والمعنوي؛ وأحد مصادر العطاء والتواصل والبقاء والتوازن. بهذا المعنى، يتداخل ويتقاطع مفهوما الأرض والمرأة فلسطينيا. فالتشرد والدخول في دوائر الغربة والاغتراب؛ ومقاساة مذلة التهجير على الصعيد الانساني، يشكلان في ظل الاحتلال للوطن وفقدان السيادة أسقفا للنضال الاجتماعي والمطلبي والديمقراطي ولكن ليس بمعنى التضاد إنما على نحو تكاملي.
والمعاناة الإنسانية والمعيشية هي القاسم المشترك للمرأة اللاجئة في جميع أماكن تواجدها وتحديدا في داخل المخيمات، وربما كانت الظروف المعيشية والحياتية للمرأة في مخيمات قطاع غزة وفي لبنان؛ هي الأكثر قسوة وشقاء بالقياس إلى تلك التي تحياها أخواتها في مخيمات سوريا والأردن دون تبهيت للظروف المعيشية والحياتية للفلسطينيين في مصر؛ أو تلك الأوضاع الفلسطينية البائسة في العراق. من جانب آخر، فإن الأوضاع الحياتية في جميع مخيمات الشتات تختلف عن مثيلتها في مخيمات الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، أولا بسبب وجود الاحتلال الذي يضيف معاناة نوعية على حياة اللاجئات وهن يعشن على بعد بضعة كيلومترات من بيوتهن؛ وثانيا بسبب الهوامش المتاحة المتعلقة بقدرة اللاجئات في "مخيمات الوطن" على تحقيق مكتسبات ذات علاقة بالأبعاد المطلبية والديمقراطية للنضال لكونها تعيش ضمن نظام سياسي فلسطيني؛ تستطيع أن تخاطبه وتطالبه بتحقيق تطلعاتها مهما ضعفت صلاحيات هذا النظام وسلطاته العملية بسبب نقص سيادته الناشئة عن استمرار احتلال أرضه ومقدراته.
أعـــداد اللاجئــات
يقدر مجموع النساء الفلسطينيات اللاجئات بمليونين ونصف المليون امرأة، ويشكل هذا العدد نصف عدد اللاجئين الفلسطينيين تقريبا؛ الذين يقيمون في 59 مخيما في داخل حدود الضفة الغربية وقاطع غزة وخارجها. بالإضافة إلى الفلسطينيات المهجرات داخل الخط الأخضر؛ من اللواتي أجبرن على الهجرة قسرا مع عائلاتهن من قراهن المهجرة، وهن يشكلن مع مثيلاتهن من اللاجئات في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مخيمات سوريا 49% من أعداد اللاجئين. أما في لبنان فيشكلن نحو 58 % من أعداد اللاجئين الفلسطينيين؛ ويعود الخلل في التوازن إلى هجرة الذكور الدائمة والتي وقعت على مراحل؛ وارتفاع أعداد الشهداء في الحروب الإسرائيلية والحروب الأهلية والطائفية التي شهدها لبنان. أما في الأردن فتشكل نسبة اللاجئات نحو 48 % من إجمالي تعداد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الأردن حصرا؛ حيث يشكل اللاجئون الذين يعيشون خارج المخيمات في الأردن حوالي 60 % من مجموع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.
تبايــن وتشابــه في الظــروف المعيشيـــة
تتشابه معاناة المرأة اللاجئة مع بعضها في عدد من القضايا والعناوين وبالتالي تتوحد برامجها، وتختلف مع بعضها وتتباين في محددات أخرى وفق سياسة البلد المضيف وقوانينه والحريات والمكتسبات التي يمنحها أو يوفرها لهذا القطاع الواسع الذي يطلق عليه اللاجئات الفلسطينيات. فعلى سبيل المثال؛ فإن المعاملة التمييزية التي تخضع لها المرأة الفلسطينية في لبنان؛ الناجمة عن وجود قوانين تحرم العاملات من حق العمل في عدد كبير من المهن كالطب والمحاماة والهندسة والصيدلة على الرغم من المؤهلات المتقدمة التي تمتلكنها وهي سياسة لبنانية منهجية بحق اللاجئين الفلسطينيين عموما؛ إلى جانب حرمانهن من حق امتلاك العقارات، لا شك أن هذه المعاملة التي تبررها الدولة اللبنانية برفض التوطين؛ تضيق سبل العيش أمام المرأة وتحد من إمكانيات تطورها وتقدمها الحضاري الإنساني؛ وتفاقم من معاناتها الناجمة أصلا عن التهجير. وهذا ما يجعلها عمليا تعيش في مجتمع يشعرها بالممارسة بأنها منفصلة وغريبة عنه عمليا، مما يدفعها إلى التقوقع والانزواء بمشاعر مريرة من الاغتراب والتوجس، ويجعلها غير قادرة على تطوير ذاتها؛ أو الانخراط في أعمال اجتماعية أو سياسية منظمة. ويلاحظ هنا أن العزلة والانزواء في مستوى تفاعلها مع العمل العام تحديدا في بلدان اللجوء الأجنبية تضاعف من غربتها بسبب خصوصيتها الثقافية.
في الوقت الذي نجد فيه أن دولة مضيفة كالأردن حيث تعيش الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود فلسطين التاريخية؛ في بيئة يتساوى فيه كلا الشعبين في الحقوق المدنية والسياسية؛ ضمن اشتراطات متفق عليها بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. تلك الاشتراطات والتي بموجبها تم حظر عمل الفصائل والمؤسسات الفلسطينية في مجال تنظيم وقيادة الجماهير الفلسطينية في الأردن. فعلى سبيل المثال يقتصر عمل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في الأردن على لعب دور في حدود الدور التمثيلي والاسنادي للمرأة الفلسطينية في الوطن المحتل مما يولد شعورا بقمع الهوية الوطنية؛ على الرغم من المكتسبات المتحققة على الصعيد الحقوقي.
وحيث تعيش المرأة الفلسطينية في المخيمات السورية ضمن قانون المساواة الكاملة باستثناء حق ممارسة الترشيح والانتخاب للبرلمان السوري تعمل المؤسسات النسوية الفلسطينية في تنظيم الجماهير النسائية وقيادتها وفقا لبرامجها السياسية والاجتماعية دون قيود تنظيمية-إدارية سوى تلك القيود السياسية المعروفة المتفق عليها مع التنظيمات الفلسطينية.
المعانــاة المعيشيـــة
على الرغم من شح مصادر المعلومات الدقيقة حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمرأة الفلسطينية اللاجئة في المخيمات، إلا أن جميع المؤشرات تشير إلى حقيقة أن حياة الفلسطينيات اللاجئات في المخيمات صعبة؛ وتفتقر إلى الحد الأدنى من شروط الحياة في أماكن لا تصلح أحيانا للسكن الآدمي؛ من خيم وبركسات وبيوت الزينكو والصفيح في مخيمات لبنان وغزة، وفي بيئة تفتقر إلى الشروط الصحية والى الخدمات الضرورية التي تعتبر شرطا ضروريا للحياة الإنسانية. هذه المشكلات هي إحدى سمات مخيمات لبنان؛ ونجدها في غزة وفي حالات أقل في بعض مخيمات سوريا والأردن. ومن جانب آخر، فإن المشكلة التي خلقها التهجير والتي أنتجت تشتت الأسر الفلسطينية في أرجاء الأرض، أنتجت واقعا قانونيا وسياسيا حال دون التئام الأسر منذ عشرات السنين، مما رتب مشكلة ذات أبعاد إنسانية ربما أصبحت مزمنة.
كما أورث اللجوء والتشرد البؤس والفقر. حيث يصنف سكان المخيمات بالأكثر فقرا في المجتمع الفلسطيني؛ بسبب سوء الأحوال الاقتصادية بشكل عام؛ وأزمة البطالة المتفاقمة بفعل الإجراءات الاحتلالية المتمثلة بالحصار والإغلاق؛ وتدمير المنشآت المشغلة للعاملات، كما أن الظروف النضالية التي خلفت أعدادا كبيرة من الشهداء والأسرى والجرحى والمطاردين، أنتج نسبة إعالة عالية بين النساء، حيث بلغت نسبة الإعالة النسائية نحو 15 % بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في منتصف العام 2000، والتي من المرجح أن تكون قد زادت بسبب ما خلفته الحملة العدوانية الإسرائيلية الشاملة من شهداء وأسرى وإعاقات خلال الانتفاضة الحالية.
وفي لبنان لا يختلف الوضع عما هو عليه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تتأثر المرأة الفلسطينية بالظروف الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون. وقد بلغ متوسط دخل الأسرة السنوي نحو 3500 دولار أمريكي، بينما من المفترض أن يكون حسب معايير وكالة الغوث الدولية-الأونروا نحو 8400 دولار أمريكي سنويا، الأمر الذي يدفع المرأة إلى الانخراط في سوق العمل ضمن محددات القانون الذي يحظر على الفلسطينيين العمل في مهن عديدة. وعليه، فإن الحلول العملية أمامها تكون ضيقة؛ لذلك فإننا نجد أن عمل اللاجئات في لبنان يتركز على الخدمة المنزلية؛ حيث تعمل نحو 28% من النساء في هذا المجال؛ وتتوزع باقي العاملات على مجالات الزراعة والصناعة الحرفية والتجارة والتعليم. في ذات الوقت، يختلف الواقع الاقتصادي للفلسطينيات في سوريا والأردن، حيث مكنت القوانين السورية المرأة من العمل في كافة المهن المتاحة للسوريات؛ على الرغم من أن سوريا لم تبادر إلى منح اللاجئين الفلسطينيين الجنسية السورية انطلاقا من اعتبارات سياسية.
أما في الأردن حيث منحت المرأة الفلسطينية اللاجئة الجنسية الأردنية؛ فيلاحظ أن تفاعل المرأة الفلسطينية مع العمل العام محدود. ورغم أنها تمكنت من الاندماج في سوق العمل، إلا أنه وبعد فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية؛ فقد بعض الفلسطينيين جنسيتهم الأردنية، حيث استبدلت بجوازات أردنية مؤقتة ليس لها علاقة بالمواطنة أو بالجنسية؛ وهو ما ولد إشكالات جديدة للبعض في مجال الحصول على العمل والتوظيف.
وتعاني المرأة الفلسطينية اللاجئة أيضا من صعوبات كبيرة في مجال التنقل والسفر؛ الأمر الذي ينعكس على أوضاع اللاجئات آخذين بعين الإعتبار أن معاملة اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة بشكل عام غير منظم بقوانين تشريعية واضحة؛ بل تنظمها قرارات وأحكام تصدرها في معظم الأحيان الأجهزة الأمنية. ففي لبنان أخضعت المخيمات لقوانين جائرة؛ حيث تمنع اللاجئات من العودة إلى مخيمها الذي تقيم به؛ في حال السفر إلى الخارج إلا بعد الحصول على تأشيرات دخول جديدة؛ مما يقيد الحرية في التنقل، بينما تسمح سوريا بعودتهن على وثيقة السفر الممنوحة لهن في حال مغادرتهن، مما يجعلهن قادرات على السفر والتواصل العائلي والاجتماعي؛ ومن البحث عن عمل خارج القطر ومن ثم العودة إليه.
كما تعاني المرأة الفلسطينية اللاجئة من احتمال اللجوء المتعدد؛ أي تكرار وتجدد حالة اللجوء لأسباب سياسية أو أمنية، ومنها الاختلاف السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية مع بعض حكومات الدول العربية المضيفة وتبعات ذلك. ففي العام 1995 مثلا طرد الزعيم الليبي معمر القذافي اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في ليبيا بسبب توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو مع حكومة إسرائيل. كما تلعب الصراعات المسلحة دورا رئيسا في حالات اللجوء المتعدد، كما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت هناك بين الأعوام 1975-1990، أو انعدام الاستقرار الأمني كما يحدث في العراق منذ احتلاله في العام 2003.
وتعاني اللاجئات الفلسطينيات في مخيمات الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 من ذات المخاطر، فبسبب السياسة الإسرائيلية الشرسة؛ وقصف المخيمات الفلسطينية الدائم وتدمير المنازل والمنشآت، تلجأ العائلات إلى اللجوء من جديد إلى أماكن جديدة بحثا عن الأمان كما حدث في مخيمي رفح وجباليا؛ ولا زال يحدث في جميع أرجاء المناطق الفلسطينية بالإضافة إلى بروز مخاطر لجوء جديد بسبب بناء جدار الفصل العنصري. وأخيرا، فإن إيقاف مسلسل المعاناة التي تمر به المرأة الفلسطينية اللاجئة يمر فقط من باب الإقرار بحقوقها، كل حقوقها، وفي المقدمة منها حق العودة إلى الديار الأصلية كأساس لحل قضية اللجوء الفلسطيني عموما.