اهمية القراءة 13401710
اهمية القراءة 13401710
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اهمية القراءة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اكرم محمد
نجمه 4
نجمه 4
اكرم محمد


عدد المساهمات : 455
نقاط : 6460
تاريخ التسجيل : 23/11/2010

اهمية القراءة Empty
مُساهمةموضوع: اهمية القراءة   اهمية القراءة Icon_minitimeالجمعة يناير 28, 2011 12:03 am



لا شك أن الجميع يجمعون على أهمية القراءة، لكن المشكلة أن كل ما ذكر في حق القراءة لا يتعدى كونه "مديح" بشكل أو بآخر..! مع أن المديح "المباشر" في هذا الزمان لم يعد سلعه يرغب بها أحد. حتى الإعلانات التجارية لم تعد تمارس المديح السطحي المباشر لمنتجاتها، إذ صارت تفضل أساليب أخرى غير مباشرة مثل "إظهار" ميزات منتجاتها بطريقة علمية أو "رعاية" برامج تهم المجتمع أو حتى إسداء "نصائح" له، فالكل يحاول أن يكون جزء من عملية تنمية المجتمع التي تعود بالفائدة على الجميع في نهاية الأمر..!

ففي زمن العلم أصبح لزاما علينا دراسة أهمية القراءة للمجتمع بشكل أعمق، ونتخطى مرحلة المديح السطحي لها، والولوج إلى دراسة علمية جادة لدور المعلومة الثقافية في "تنمية" المجتمع! فعلى ما يبدو أن المديح الحالي لم يقدم أو يؤخر في قضية "إقناع" المجتمع بأهمية القراءة..!

إن أساليب إقناع الآخر متعددة، وفي تقديري إن أفضل وسائل الإقناع هي "الإثبات العلمي"، فالدليل العلمي هو "سيد" الأدلة..!

فهل يمكن دراسة أهمية القراءة للمجتمع دراسة علمية صرفة..؟!

إن المطلوب هو "فهم" المسارات التي تسير فيها المعلومة الثقافية عندما تلج عقول أفراد المجتمع، والتعرف على التفاعلات التي تحدثها لذلك المجتمع أثناء سريانها في العقول.. تماما كما يفعل العلماء عند دراسة أي جزيء في أي منظومة في الكون..!

image وحتى نميز المعلومة الثقافية عن غيرها من المعلومات علينا أيجاد "بصمتها" الخاصة بها وهويتها الفريدة، عبر "التوصيف" العلمي لها، والذي من خلاله نستطيع رصدها أثناء مسيرتها في العقل الجمعي لذلك المجتمع! حينها فقط نستطيع أن نفهم ما الذي يحدث من حولنا، وننتهي من مرحلة المديح الساذج لها "الغير" مؤثر أصلا في الآخرين..!

إن أول شرط علينا الأخذ به للولوج في هذه العلمية هو محاولة "تصنيف" المعلومة الثقافية وتمييزها عن المعلومة "التعليمية" المتخصصة، للحصول على "البصمة" المميزة لها. فهل يوجد أصلا فارق حقيقي بين المعلومة المتخصصة والمعلومة الثقافية والتي مصدرها الكتب الثقافية المعرفية "غير المتخصصة"؟!

بداية نلاحظ أن المعلومة المتخصصة تخص عدد معين من الناس وهذا أمر طبيعي ومنطقي، إذ ليس من المنطقي أن يكون الجميع أطباء ومهندسين وحرفيين في نفس الوقت. والسؤال الآن إذن هو: هل كل المعلومات البشرية هي معلومات متخصصة..؟!

في الحقيقة "المعرفة" في مجموعها تنقسم إلى قسمين رئيسيين؛ معلومات "متخصصة" ومعلومات "مشتركة" بين الناس! فاللغة –على سبيل المثال- هي مشترك معرفي، والدين هو أيضا مشترك معرفي، والعادات والتقاليد والتاريخ، وكل معلومة "ما" تتواجد عند غالبية المجتمع هي "مشترك معرفي".

فإذا كنا نعيش في عالم متسارع التطور فهذا يعني "منطقيا" أن علينا تطوير "شقي" منظومة المعرفة أي الشق "المتخصص" والشق "المشترك" حتى تعمل المنظومة "ككل" بشكل جيد!
فإذا كان تطوير الشق المختلف المتخصص يتم عبر تطوير التعليم المدرسي والجامعي وإيجاد كل أدوات ذلك التعليم.. فماذا عن تطوير الشق الثاني من منظومة المعرفة؟!

قبل الإجابة على هذا السؤال علينا أولا الإجابة على هذا السؤال التالي... "هل حقا توجد حاجة لتطوير الشق الثاني من منظومة المعرفة أي الشق المشترك لها"؟!

وحتى نجيب على هذا السؤال علينا قبلها فهم الدور الحقيقي "للمشترك المعرفي" في دورة حياة منظومة المعرفة البشرية!

في الحقيقة يمكننا بكل بساطة فهم دور المشتركات! فهي على سبيل المثال لا الحصر تعمل على التشبيك البيني بين عناصر أي منظومة سواء بشرية أو غير بشرية..! فعلى مستوى المنظومة البشرية تعمل المشتركات المعرفة على التشبيك البيني بين البشر! فأنا الآن أتواصل معك قارئي العزيز عن طريق مشترك معرفي يسمى اللغة العربية. فهذا أحد أهم أدوار المشتركات المعرفية وهو التشبيك البيني بين البشري.

فبدون المشتركات المعرفية يتفكك المجتمع في مجموعه الكلي ويصبح عاجزا عن أي شكل من أشكال العمل الجماعي، ولما لا وهو لا يملك التشبيك البيني الكافي لكي يكون قادرا على العمل الجماعي في عالم متسارع التطور! فتطور المتسارع لعالمنا المعاصر "يفرض" علينا تطوير كل شيء، وعلى رأسه طبعا تطوير منظومة المجتمع المعرفية!

ولو قامت جامعة ما بعمل الإحصاءات اللازمة للتحقق من هذه النقطة، فإن هذا الكلام سوف يتحول إلى "مشروع عالمي" بامتياز يجلب "المجد والشهرة" للعاملين عليه أفرادا ومؤسسات!

لكن ما هو المصدر الرئيسي للمشتركات المعرفية "الراقية" المطلوبة لتطوير الشق الثاني من منظومة المعرفة؟! الحقيقة إن المصدر "الأساس" هو الكتب المعرفية القادرة على التواجد في جميع العقول "دون" الحاجة إلى التخصص! أي الكتب الثقافية العامة.


فكل ما هو مطلوب (عبر الإحصاءات) هو أظهار "علاقة التناسب الطردي" بين انتشار المشتركات المعرفية الراقية وبين قدرة ذلك المجتمع على أشكال العمل الجماعي! فمن خلال هذه الإحصاءات (التي "تميز" بين الأمم ذات نسب القراءة العالية والأمم غير القارئة) يمكننا عمل مقارنة لمعرفة الفروق الجوهرية بين الفريقين وهذه دراسة "لا يجوز" أبدا أن تفوتها أي جامعة!

إذ ببساطة يمكن فهم القضية بالشكل المنطقي التالي: لو قمنا بنزع كل ما هو مختلف (سواء معرفي أو غير معرفي) بين الناس فإن الجميع سوف يكون عبارة عن نسخ متطابقة، وهذا أمر يؤدي إلى الجمود الفكري وانعدام التفاعل والتلاقح والتركيب. فالتنوع هو الذي يضمن التفاعل والتركيب بين عناصر أي منظومة. لكن لو قمنا بنزع المشتركات المعرفية، وأبقينا المختلف المعرفي، فإن المجتمع سوف يفقد كل أشكال التواصل والتشبيك البيني بين عناصره وبالتالي "التفتت" والتصادم كنتيجة حتمية، ويكفي أن نقول أن المجتمع قد فقد حتى لغة التواصل اللغوي..!

لهذا فإن تطوير المشترك المعرفي في عالم متسارع التطور هو "حتمية" لا يمكن إهمالها...!!!!

وهذه هي البصمة العلمية للمعلومة الثقافية.. إنها "المشتركات المعرفية الراقية" المطورة للشق الثاني من منظومة المعرفة، في عالم متسارع التطور..!

وحتى نزيد من المشتركات المعرفية الراقية لمجتمع ما علينا زيادة نسب القراءة للكتب الثقافية العامة لذلك المجتمع، "وليس" زيادة قراءة الكتب المتخصصة..!

وحتى نزيد من نسب القراءة العامة للكتب الثقافية علينا "إقناع" المجتمع بأهمية القراءة وهذا هو جوهر المشروع! فهذا المشروع هو "آلية" لإقناع المجتمعات بأهمية القراءة الثقافية وذلك عن طريق إثبات ذلك علميا عن طريق عمل الإحصاءات اللازمة لإثبات "البناء النظري" العلمي الذي أطرحه للقضية برمتها!

فإذا قامت جامعة ما بعمل الإحصاءات اللازمة المتخصصة في إحصاء نسب القراءة الثقافية لدى شعوب العالم، حينها يمكن إثبات الكثير من الأمور الجوهرية التي تقوم بها المعلومة الثقافية ولا تستطيع تعويض دورها المعلومات المتخصصة!

حينها سوف نفهم دور المعلومة الثقافية -أي المشترك المعرفي- في كم هائل من الأمور الجوهرية التي لا يستطيع المجتمع أن يعيش بدونها، وفي هذا الكتيب سوف نختار بعضها منها بشكل عشوائي وليس كلها لكثرتها (فإنا لا أزال باحث عصامي أبحث عن مؤسسة تتبنى أبحاثي التي على رأسها مبحث "علم الثقافة") التي لا تحصى وللدلالة (عبر الاختيار العشوائي) على شموليتها، فدور المشتركات المعرفية يشمل كل شيء، فهي المشترك "الكلي" الذي يـُبنى عليه كل شيء في نهاية الأمر!

**********
العمل الجماعي

image العمل الجماعي هو أهم السمات التي يجب على المجتمع أن يكون قادرا عليها، فالعمل الجماعي يعني أن منظومة المجتمع تعمل "ككل" والعمل ككل مشترك أفضل -طبيعة الحال- من العمل فرادى.

لكن ولكي ننجح في العمل الجماعي فإنه من الأفضل دراسته دراسة علمية تشرح البناء العلمي خاصته..! فكل شيء في هذا الكون له بناء علمي في نهاية الأمر والعمل الجماعي ليس استثناء!

إن أهم شرط منطقي لنشوء العمل الجماعي هو"أن يكون التشبيك البيني بين أفراد المجتمع على أشده"، ولهذا فمرة أخرى نجد أن المسئول عن جودة العمل الجماعي هو المشتركات المعرفية الراقية المواكبة لعالم متسارع التطور! ولا يبقى سوى الإتيان بالإحصاءات المتخصصة بإحصاء نسب انتشار "المشتركات المعرفية" الراقية المستمدة من نسب القراءة العالية للكتب الثقافية العالة في المجتمعات، لعمل مقارنات بين الشعوب القارئة "بنهم" والشعوب غير القارئة للتأكد من صحة "علاقة التناسب الطردي" هذه..!

فالبناء النظري للقضية يخبرنا أن المسئول عن العمل الجماعي هو المشترك المعرفي الأرقى المواكب لعالم متسارع التطور والمستمد من نسب القراءة العالية للكتب الثقافية العامة، لكن هذا "البناء النظري" سوف يبقى بدون دليل علمي عليه طالما لم تظهر الإحصاءات المختصة التي تثبت صحة هذا البناء النظري..! وإلى أن تتوفر هذه الإحصاءات فإننا سنبقى نعمل على الجانب النظري للقضية ومحاولة فهم القضية بشكل أعمق.

إن من أهم شروط العمل الجماعي هو ظهور سلوك "متشابه" مشترك..! وهذا أمر منطقي جدا..! فمن أهم سمات أي عمل جماعي هو أن قسم كبير منه يظهر على شكل سلوك مشترك في الكثير من الأمور.. طبعا إلى جانب الكثير من السلوكيات المختلفة المتممة لهذا العمل المشترك!

وللحصول على "سلوك" مشترك لابد لنا من "معرفة" مشتركة..! هذا الشرط هو أمر "لا" يمكن تجاوزه في حال أردنا الحصول على عمل جماعي في نهاية الأمر..! فسلوك الكائن البشري في نهاية الأمر هو نتيجة لطبيعة المعلومات المتواجدة في دماغه..! فإذا كانت المعرفة المتواجدة في عقول ذلك المجتمع تعاني من نقص شديد في المعرفة "المسئولة" عن التشبيك البيني في عالم متسارع التطور... فإن "النتيجة المنطقية" هو "عدم قدرة" هذا المجتمع العمل بشكل جماعي بالشكل المطلوب! والبديل الطبيعي لهذا "النقص" هو ظهور سلوك "مفكك" غاية في الضعف وفي الأداء على المستوى الجمعي..! ولا نجد في هذا المجتمع سوى بعض الانجازات "الفردية" الاستثنائية التي لا تجد امتدادا لها داخل ذلك المجتمع "المفكك"..!

الغريب في الأمر أن "النوايا الحسنة" لا تلعب ذلك الدور الكبير في القضية! طالما أن المكون الأساسي المسئول عن التشبيك البيني وبالتالي العمل الجماعي مفقود..! ففقدان التشبيك البيني (بسبب عدم مواكبة عالم متسارع التطور) يجعل المجتمع "مفكك" رغما عن انفه! وهذا الأمر يؤثر سلبيا في "كل" شيء في ذلك المجتمع. وهذا ما يمكن ملاحظة في المجتمعات غير القارئة..!

فالمجتمعات غير القارئة هي مجتمعات مفككة، ولهذا فهي غير مستقرة سياسيا، ضعيفة اقتصاديا، غير قادرة على الإبداع والإدارة، علاقات الجوار مع جيرانها من الدول في أسوء حالاتها، وأيضا هي ضحية سهلة للتدخلات الأجنبية "بل" وعالة عليها..! وكل ما هو مطلوب هو إحصاءات نقوم من خلالها "بالمقارنة" بين أداء الشعوب "المشبعة" بالمشتركات المعرفية الراقية والشعوب الفقيرة بتلك المشتركات الراقية من منظور جودة العمل الجماعي. وبهذا "نثبت" هذه القضية بشكل كامل وعلمي ومقنع للجميع، الأمر الذي يؤدي إلى "تغيير" العالم إلى عالم أفضل!

وحتى نفهم المزيد من القضايا الجوهرية المرتبطة بالشق الثاني لمنظومة المعرفة أي الشق المشترك دعونا ننتقل إلى الفقرات التالية.

الإدارة

لا شك أن الإدارة قضية في غاية الأهمية لدرجة أن لا حاجة لذكر أنها مهمة، فكل شيء في هذا الكون بحاجة إلى إدارة، وعليه يجب أن تكون الإدارة في أفضل حالتها حتى يصبح المجتمع في أفضل صورة!

لكن هل للشق الثاني لمنظومة المعرفة علاقة "ما" جوهرية بجودة الإدارة..؟!

في الحقيقة نعم..! وهي علاقة غاية في الغرابة على الرغم من أنها علاقة أساسية لا يمكن تجاوزها..! فالإدارة لها الكثير من التعريفات لكنها في نهاية الأمر هي عملية "وزن" و"تحكيم" الأمور لاتخاذ القرارات المناسبة..!

فحياة الإنسان فيها كم هائل من القرارات التي يجب أن يتخذها حتى تسير الحياة! هذه القرارات هي "نتيجة" لعملية دقيقة جدا وهي "الوزن" بين الأمور! فمدير شركة "ما" يحاول طوال الوقت التوفيق بين احتياجات شركته، فهو طوال الوقت يفكر في المبالغ المناسبة كأجور للعمال والموظفين؛ هل يزيده أم ينقصه؟ يفكر بسعر البضاعة التي يريد أن يشتريها؛ هل يقبل بالسعر المعروض أم لا؟ يفكر بسعر بضاعته.. هل يزيده أم ينقصه أم يبقيه على حال؟! فهذا المدير يعمل على وزن الأمور طوال الوقت!

كذلك الأمر بالنسبة لرب العائلة وهو يحاول إدارة عائلته..! هل يزيد المصروف أم لا؟، هل يسمح لأطفاله بالجلوس طويلا أمام الحاسوب؟ وما هي الساعات المناسبة؟ وما هو المحتوى المرغوب به...الخ

فإذا كان الأمر كذلك في جوهره فهذا يعني أن القرارات كلما كانت أعلى "دقة" كلما كانت أفضل..!

وهنا نتساءل.. هل توجد "علاقة تناسب طردي" مــا رئيسية تؤثر في دقة وزن القرارات أثناء عمليات التفكير..؟!

(فكل شيء في الكون له علاقة تناسب طردي رئيسية تؤثر فيه بسبب مكون آخر، وكل ما هو مطلوب هو البحث عن هذه العلاقة الطردية. والتي إذا ظهرت وتم التأكد منها فإنها تتحول إلى قانون طبيعي.. سواء كان -هذا القانون- يحكم الجمادات أو حتى يحكم البشر..! وهذا بالمناسبة حلم علماء الدراسات الاجتماعية! فالدراسات الاجتماعية لا تزال تحاول -منذ قرنين من الزمان- أن تتحول هي الأخرى إلى علوم طبيعية مبنية على علاقات التناسب الطردي الرئيسية والتي تسمى لاحقا بالقوانين الطبيعة بعد أن يتم إثباتها عبر التجربة والملاحظة والإحصاءات أسوة بالعلوم الطبيعية الأخرى..! فيا له من مجد ما بعده مجد!).

في الحقيقة نعم..! وهي واضحة أشد الوضوح في العلاقة مع زيادة المعرفة..! فكلما زادت المعرفة كلما زادت الدقة..! فالميزان الالكتروني –على سبيل المثال- أدق من الميزان التقليدي لسبب بسيط وهو أنه مبني على معرفة أكثر تطورا..! والمصانع حول العالم تختلف في الدقة في تصنيع منتجاتها بحسب مستوى معرفتها.. فالمصانع الأكثر تطورا هي الأعلى دقة في التصنيع..!

وكذلك الأمر بالنسبة للبشر..! فكلما كان المجتمع أعلى معرفة كلما كان أعلى دقة في وزن الأمر وكلما كانت قراراته أدق من غيرها من المجتمعات..! وكل ما هو مطلوب هو دراسة إحصائية تثبت علاقة التناسب الطردي التي نحن بصددها، ليتحول الأمر لاحقا إلى حقائق وقوانين علمية تطور العالم خاصة العالم الذي يحاول أن ينمو..!

فالمجتمعات التي تعاني من ضعف معرفي لسبب ما (والتي منها ضعف أحد شقي المعرفة أو كلاهما) تعاني من عدم الدقة في قراراتها الإدارية الأمر الذي يؤدي لاحقا إلى اختناق المجتمع واحتقانه بكم هائل من القرارات غير الدقيقة..! فيدخل المجتمع في حالة جمود ما بعدها جمود..! تؤدي لاحقا إلى نتائج كارثية لا تحمد عقباها..! فالقرارات غير الدقيقة تحيد عن مسارها المطلوب عند كل مفصل "تالي" عليها إحداث تغيير ما فيه، ويصبح الأمر كمن يقود سيارة مبنية على قياسات غير دقيقة في عالم متسارع التطور..!


الإبداع

كما نلاحظ جميعا في هذا الزمان، أصبح العالم كله مبنيا على الإبداع! ولهذا فهو الآخر لا يحتاج إلى الكثير من المدح والتبجيل! ولا يبقى سوى محاولة فهم الأسس والبناء العلمي "الموصل" لحالة الإبداع والذي هو -بالمناسبة- حالة "جماعية" بالدرجة الأولى..! فالمجتمعات المبدعة هي التي في "العادة" تنتج مبدعين على عكس المجتمعات غير المبدعة على الرغم من محاولاتها المستميتة!

طبعا المطلوب الآن (وكما في كل مرة) "البحث" عن "علاقة" التناسب الطردي الرئيسية التي تحكم هذه القضية..! والتي على الإحصاءات أن تثبت صحتها..! والقضية –بالمناسبة- متعة ما بعدها متعة..!

حتى نفهم الإبداع جيدا علينا أولا تعريفه بناء على ما ذكر من معرفة..! فإذا تساءلنا.. ما هو الفرق بين المعلومة المبدعة وأي معلومة أخرى عادية..؟! أقل ما يقال: إن المعلومة المبدعة هي المعلومة القادرة على "التغيير الشمولي البناء"..! في حين أن أي معلومة عادية ليس لها ذلك التأثير الشمولي البناء..!

فإذا كنا نريد للمجتمع أن يكون مجتمعا مبدعا منتجا للمعرفة "القادرة" على التغيير الشمولي البناء، فمن الطبيعي إذن أن يكون هذا المجتمع حاويا للمعرفة المولدة للإبداع..! فإذا أردنا إجابة سريعة ومقتضبة يمكننا القول أن على المجتمع أن يكون أرقى معرفة حتى يكون أقدر على إنتاج معرفة أكثر تطورا..! وإذا كان المجتمع يعاني من نقص كبير في أحد شقي منظومته المعرفية هذا يعني أنه لن يكون قادرا على منافسة غيره من الأمم على الإبداع، إلا إذا كان محظوظا وقامت بعض الدول المتقدمة صناعيا بإنشاء استثمارات صناعية ضخمة على أراضيه تؤدي لاحقا إلى تطوره بطبيعة الحال..!

أما إذا أردنا إجابة أكثر عمقا لفهم قضية الإبداع فعلنا –ربما- شرح المزيد. إن أي منظومة في هذا الكون قد تركبت من لبنات بناء، وهذه اللبنات –بطبيعة الحال- في النهاية تضفي خصائصها على البناء النهائي! مع الأخذ بعين الاعتبار أن المنتج النهائي المركب سوف يأتي بخصائص جديدة لم تكن موجودة في وحدات البناء التي ركبت هذه المنظومة الجديدة!

فإذا كنا نطالب جميعا بإنتاج مركبات فكرية علمية قادرة على التغيير الشمولي البناء.. فإنه حريا بنا أن لا ننسى أن نطالب أنفسنا أيضا بإحضار لبنات البناء لذلك المنتج الذي نطالب به والتي تحمل "نفس" الخصائص..!

بشكل تلقائي يقع التفكير البشري على التخصصات العلمية..! كون التخصصات العلمية هي معرفة قادرة على التغيير الشمولي البناء..! ولا ضير في ذلك بل هو أمر حتمي وضروري..! لكن هل هذا كل شيء........؟! بالطبع لا، وأبسط دليل هو الواقع الذي تعيشه الكثير من دول العالم التي تحاول النمو بلا فائدة..! فما الذي يحدث بالضبط..؟!

في الحقيقة الأمر غريب عجيب، فإذا أردنا إجابة مختصرة يمكننا القول أن قسم هام من تلك اللبنات القادرة على التغيير الشمولي البناء (وذلك لكي نحصل على منتج قادر على التغيير الشمولي البناء) هي مفقودة. صحيح أن التخصصات العلمية هي معلومات قادرة على التغيير الشمولي البناء لكن أيضا "المشتركات المعرفية الراقية" هي أيضا مركبات علمية معرفية قادرة على التغيير الشمولي البناء وأبسط منطق يفسر ذلك هو أنها الوحيدة القادرة على التواجد في جميع العقول..! وبهذا ففقدانها (في مجتمع ما) يعني فقدان مكون أساسي قادر على التغيير الشمولي البناء..!

لكن مرة أخرى.. ما الذي يحدث بالضبط..؟! بناء على ما ذكر في الفقرات السابقة يمكننا فهم الكثير من الأمور مثل "الدقة" في الإدارة، وجودة أعلى في أشكال العمل الجماعي وكل ما ذكر فيما سبق.. لكن المسألة –مرة أخرى- فيها مزيد من العمق..!

في الحقيقة القضية برمتها تتبع البناء العلمي المكون للمنظومات! فالكون كله مكون من منظومات وهذه المنظومات سواء كانت جمادات أو إحيائية أو بشرية كلها تتبع قوانين واحدة في نهاية الأمر..! وهي قوانين المنظومات! هذا بالمناسبة مبحث علمي آخر لم ينجز به أحد من قبل شيء يذكر، وأنا في هذا الكتيب سوف أتعرض فقط إلى ما يهم قضية الإبداع حتى لا يتحول هدف هذا الكتيب إلى بحث في علم آخر غير "علم الثقافة"..!

عموما.. إن أي منظومة في هذا الكون تتفاعل بعدة طرق، منها على نفس المستوى، فالإنسان الذكر على -سبيل المثال- يتفاعل مع الأنثى على نفس المستوى وهو المستوى البشري! لكن يوجد نوع آخر من التفاعل وهو التفاعل بين المستويات على سلم التطور! فالمستوى الأعلى على سلم التطور يتفاعل مع المستوى الأدنى، فالإنسان -مرة أخرى- يتفاعل مع مستويات أقل تطورا مثل الحيوانات أو النباتات أو الجماد..! وحتى على مستوى المنظومة الواحدة يحدث هذا الأمر..! فالإنسان -وللمرة الثالثة- كمنظومة قائمة بحد ذاتها يتفاعل داخليا على عدة مستويات، فهو مكون من عدة مستويات الأعلى هو مستوى العقل-المعرفة المبني على المستوى الأدنى وهو المستوى الوراثي الجيني الخلوي الإحيائي..! وهذا التفاعل الرئيسي بين هذين المستويين الرئيسيين يكوّن في النهاية الكائن البشري!

وما يحدث مع منظومة المجتمع ككل لا يختلف كثيرا..! فمنظومة المجتمع مكونة من مستويين رئيسيين المستوى الأعلى وهو المعرفة والمستوى الأدنى وهو المادي..! بدون معرفة لن يوجد مجتمع وبدون مادة أيضا لن يوجد مجتمع، فالمادة هي "الوسط" الذي توجد فيه معرفة المجتمع..!

فما تقوم به غالبية التخصصات العلمية المختلفة هو أنها تحدث "تغيير شمولي بناء" في المستوى المادي الأدنى..! فالطب والهندسة وعلوم الفضاء والرياضيات والفيزياء والحرف الفنية في غالبيتها تعمل على تطوير المستوى الأدنى..! وهنا تقع المشكلة..! فالتركيز فقط على التخصصات العلمية يحسن فقط المستوى التفاعلي الأدنى المادي للمنظومة البشرية ككل..! في حين أننا لم نفعل شيئا بخصوص المستوى الأعلى التفاعلي المكون لمنظومة العقل الجمعي..! الذي هو "الحاكم" للمنظومة المادية في نهاية الأمر..!

أي أن المجتمع أصبح جسدا ماديا بدون رأس مفكر..! فالذي يحدث هو أن هذا المستوى الأدنى المادي "الكلي" عليه أن يُدار من قبل مستوى أعلى معرفي "كلي" أيضا..! والمسئول الأساس عن الكلية في المستوى الأعلى هي "المشتركات المعرفية"...! فالمشتركات المعرفية هي "المكونة" للوعي الجمعي (وهذا ما سنناقشه في الفقرة التالي)..!

ففقدان الوعي الجمعي يعني فقدان القدرة (إلى جانب فقدان القدرة على العمل الجماعي) على الرؤية الكلية للأشياء (وحسن "وزن" الأمور والقرارات)..! وفقدان القدرة على الرؤية الكلية للأشياء يعني الإضرار بالإبداع بطبيعة الحال..! فكلما كان الرؤيا أكثر "كلية" كلما كانت القدرة على الإبداع أفضل..! وبالتالي تصبح الدقة في اتخاذ القرارات أعلى..! أما "البديل" عن "الرؤية" فهو مجتمع أعمى يتخبط في كل شيء..!

فالشعب ضعيف المعرفة هو شعب ضعيف القدرة على التمييز... "فعلاقة" التناسب الطردي بين الطرفين واضحة..! فكلما زادت المعرفة زادت القدرة على التمييز..! فإذا كان الشعب ضعيف التمييز فكيف له أن يكون قادرا على الإبداع..!

خلاصة القول لو كنت أملك الإحصاءات اللازمة لأَثبتّ لكم ببساطة كيف أن الشعوب القارئة هي شعوب مبدعة بامتياز على العكس من الشعوب غير القارئة في "علاقة تناسب طردي" صارخة بين الزيادة في نسب القراءة والزيادة في قدرة المجتمع على الإبداع...!


الهوية والوعي الجمعي

اضطرتنا الفقرة السابقة إلى ضرورة الحديث عن "الوعي الجمعي"، وبما أن الوعي مرتبط "بالهوية" فإننا سنتحدث عن الأمرين في فقرة واحدة..!

حتى نفهم ما هو الوعي الجمعي علينا أولا محاولة فهم وتعريف الوعي الفردي، والحقيقة إن تعريف الوعي هو من أصعب الأمور كما هو ثابت علميا في الكتب والموسوعات. عموما ما سأقوم به هو محاولة تعريف الوعي من منظور "عملي" بحت على الأقل حتى أستطيع من خلال هذا التعريف الولوج إلى فهم الوعي الجمعي وتعريفه "عمليا"، حتى نستطيع التعامل مع هذا المجهول الذي هو "نحن" بطريقة عملية نستطيع من خلالها إحداث تغيير ما "بناء"..! فطالما بقي الوعي أمرا مجهولا حتى على مستوى "كيفية التعاطي معه على المستوى العملي"، فإن قضيته سوف تبقى مسمرة في مكانها ونبقى عاجزين عن فعل شيء مفيد وبناء..!
image

لو تأملنا الوعي الفردي خاصتنا لاحظنا أمور هامة منها: أن الوعي "يقود" المنظومة التي هي نحن للوصول إلى أفضل حالة بناءة ممكنه، إذ يعمل هذا الوعي على إدارة منظومة الجسد ومنظومتنا ككل! فالوعي في مجموعه يمكن وصفه بأنه "مجموع التوجهات العامة" الخادمة لمنظومة الإنسان! أي أن الوعي هو "مجموع التغيرات الكبرى" الحاكمة والخادمة لمنظومة الجسد والإنسان!

فعندما يحتاج "الجسد-الإنسان" للنوم فإن الوعي يدير عملية النوم وعندما يجوع الجسد-الإنسان فإن الوعي يتناول الطعام...الخ

لكن في نفس الوقت هذا الوعي الذي يدير العمليات الكبرى لهذا "الجسد-الإنسان" لا يعرف التفاصيل العلمية الدقيقة لتلك العمليات المعقدة مثل النوم أو تناول الطعام..! وكأن الوعي "يقول" لنا أن ما يلزمه هو جزء معين من المعلومات من منظومة معرفة ما..! وإذا حاولنا التدقيق في تلك الجزئية التي يطالب بها "وعينا" طوال الوقت نلاحظ أنها تتسم بالشمولية على مستوى منظومة "الجسد-الإنسان"..!

فأهم شيء في يلزم الوعي في "علم النوم" والكم الهائل من المعلومات التي يتضمنها هو تلك المعرفة التي تقول له أن عليه أن ينام عندما يحتاج الجسد للنوم..! أما بقية التفاصيل فهي ليست حتمية لمعرفتها! فالجزء المتبقي من تلك المعرفة نلاحظ عليه أنه معرفة متخصصة تهم فقط الأطباء المختصين بقضية النوم..! وهذا الأمر يمكن قياسه على بقية الأمور..!

أي أن الوعي يقسم المعرفة لأي منظومة علمية "ما" إلى: القوانين الكلية لتلك المنظومة والتفاصيل الجزئية لها، ثم يقوم الوعي بجمع تلك "الكليات" و"يركبها" ليشكل في النهاية ما نسميه نحن بـ"الوعي"..!

فإذا كان الوعي الفردي هو مجموع "الكليات المعرفية" أي مجموع "المتغيرات الكبرى" فهذا يعني –بشكل أو بآخر- أن الوعي "الجمعي" هو أيضا مجموع المتغيرات الكبرى لمنظومة المجتمع المعرفية..! فإذا كانت المتغيرات المعرفية الكبرى الوحيدة القادرة على التواجد في جميع العقول هي "المشتركات المعرفية"...! فهذا يعني أن المشتركات المعرفية هي المكون الأساسي للوعي والعقل الجمعي..! أي أن الوعي الجمعي هو: "مجموع المشتركات المعرفية المتواجدة في ذلك المجتمع"..!

وبالتالي إذا أردنا تشكيل أو تطوير الوعي الجمعي لأي مجتمع فهذا يعني أن على هذا المجتمع أن يرفع من نسب القراءة للكتب الثقافية العامة حتى يزيد من نسب "المشتركات المعرفية الراقية" خاصته وبالتي يتطور وعي -ذلك المجتمع- الجمعي ويصبح "أقدر" على إدارة أموره بشكل أفضل وأقدر على الإبداع والتطور والتنمية .. والقائمة ليس لها نهاية..!

فإذا تشكل الوعي الجمعي بالشكل المطلوب تشكلت معه "الهوية"..! تلك الهوية التي يقول الكثير من المثقفين والباحثين العرب أنها في خطر..! وهذا أمر طبيعي.. فإذا كان المجتمع "غير مثقف" (وبغض النظر عن مدى انتشار التعليم عنده) فإنه سوف يكون تحت تهديد طغيان وغزو الثقافات الأخرى..! فكما وضحنا سابقا أن الوعي بطبيعة "يعشق" كل ما يحمل الصفة الكلية، فإذا كانت "كلياته" المعرفية ضعيفة في عالم متسارع التطور فإنه فطريا سوف ينجذب إلى كليات الآخرين..! وبالتالي "يستورد" هويات الآخرين.. ثم يخرج علينا المفكرين والمثقفين "ينذروننا" من "غزو ثقافي" ساحق مــاحق...!

أما البديل الآخر لهذا المجتمع ضعيف المشتركات المعرفية وبالتالي ضعيف الهوية هو البحث في الماضي عن هويات "سليمة"، ولكنها أصبحت "قديمة" لا تواكب هذا الزمن المتسارع التطور.. فتراهم "ماضي" أعاد إحياء نفسه..! لكنه لا يستطيع مجارات الزمن الحديث..!

وفي النهاية يعيش هذا المجتمع (ضعيف الهوية) في صراع بين الماضي الذي يحتاج إلى التطوير وبين الحديث المستورد الذي يشوبه الكثير من الأفكار التي لا تناسب ذلك المجتمع..! ويبقى الحل "الوحيد" هو: أن "يقرر" –أخيرا- هذا المجتمع أن يصبح "عالي" الثقافة حتى "يشكل" الهوية القوية التي تناسبه..!


هجرة العقول

إن أكبر نزف حضاري يمكن أن تعاني منه أي أمة هو هجرة عقولها المفكرة.. فإذا هاجر المفكرون والعلماء والمثقفون والأجيال الصاعدة منهم.. فما الذي تبقى من "رأس" الأمة..!

لكن مشكلة هجرة العقول هي أنها لا تناقش بطريقة "ممنهجة"..! ففي العادة ينتهي كتاب المقالات أو المتحاورون إلى نتيجة مفادها أن الملام هي الحكومات وأن عليها إعطاء المزيد من الدعم "للبحث العلمي"..!

لا شك أن الإرادة السياسية والوضع الاقتصادي عاملين مهمين في دعم القضية إلى جانب طبيعة الاستثمارات الأجنبية..! إلا أن السبب الأساس "صاحب" علاقة التناسب الطردي الأساسية لم يعالج بعد..!

الغريب في الأمر أن هذه المعادلة لن تحتاج حتى إلى إثبات علمي يذكر أو إحصاءات كالتي أطالب بها دائما لإثبات البناء النظري الذي أتقدم به، وذلك لشدة وضوحها (وطبعا لا ضير في الإحصاءات والإثبات العلمي).

فالمعادلة الأساسية غاية في البساطة وهي: "أنه توجد علاقة تناسب طردي بين زيادة المعرفة وبين زيادة القدرة على التمييز"..! فهذه المعادلة يمارسها الإنسان العادي في حياته اليومية، فالشخص الواقف على مسافة أقرب نستطيع أن يميزه بشكل أفضل، والسبب أن كم المعلومات التي تصل أدمغتنا أكبر، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة قدرتنا على تمييز هذا الشخص..!

طبعا لا داعي للقول أن هذه المعادلة لا يجوز أبدا تجاوزها وإهمالها..! وهذا الأمر يعني أن علينا جميعا المحافظة على جودة "شقي" منظومة المعرفة الجماعية للمجتمع..! فالمبدع الذي يعيش في مجتمع ضعيف المعرفة أو مختل المعرفة يعاني بطبيعة الحال أكثر من ذلك المبدع الذي يعيش في مجتمع راقي المعرفة!

فالمبدع يقدم معرفة أرقى من المعرفة التي يملكها المجتمع أي أن بين أفكاره وبين ذلك المجتمع "فجوة" بطبيعة الحال..! فإذا كان المجتمع عالي المعرفة فهذا يعني أن تلك الفجوة هي في أصغر حالاتها، وبالتالي "احتمال" أن يدرك هذا المجتمع أهمية ما يطرحه ذلك المبدع هي أعلى بكثير من مجتمع ضعيف المعرفة، والذي تكون الفجوة بين الطرفين أكبر..!

ولهذا نلاحظ دائما أن اتجاه "هجرة العقول" هو من المجتمعات الأقل معرفة إلى المجتمعات الأعلى معرفة، (طبعا إلى جانب أسباب أخرى متممة والتي هي أصلا ناتجة بسبب المستوى المعرفي. فالمجتمعات الأعلى معرفة هي بطبيعة الحال أثرى من المجتمعات الأقل معرفة، ويصبح المال سبب آخر لجذب تلك العقول المهاجرة..!) وكل ما هو مطلوب إحصاءات تؤكد اتجاه الهجرة هذه..!

لكن قبل الانتقال إلى القضية التالية دعونا نشاهد ما الذي يحدث بالضبط مع مبدعنا المغلوب على أمره..!

المجتمع بقطاعاته أمام هذا المبدع في حالات ثلاث:

إما أنه –أي المجتمع- لا "يميز" أبدا أهمية ما يقدمه المبدع..! وهذا إحباط ما بعده إحباط..! فلا أمل لهذا الشخص أن يحقق أحلامه ولا حتى في الأحلام..! فإذا حاول هذا الشخص تسويق أفكاره عرّض نفسه للسخرية والانتقاد! والسبب كما قلنا أن هذا المجتمع لا يرى شيئا مما يراه هذا المبدع فهو مجتمع ضعيف التمييز! ولكم أن تتصوروا هذا المشهد السريالي! إذ ترى هذا المبدع يتكلم ويتكلم ويشرح أهمية ما يطرحه في حين أن الطرف الآخر يحاول بشتى الطرق إمساك نفسه عن "الضحك"..! فما يراه الطرف الآخر هو شخص شبيه بالمرضى النفسيين الذين يرون أشياء لا وجود لها أصلا..!

أما إذا كان ذلك المبدع محظوظا بعض الشيء (كما في الحالة الثانية) فإنه سوف يصادف أشخاصا وبعد جهد جهيد قد يقتنعوا بما يقوله...ولكن... وبسبب الفجوة المعرفية العامة بين إبداعات هذا الشخص وبين المجتمع الذي يعيش فيه يرى هؤلاء المؤيدون أن ما يتكلم عنه هو ضرب من المستحيل..! فهم ينظرون إلى الأمر كأنه شيء بعيد جدا جدا.. قد يستحيل تحقيقه وبالتالي هناك أمور أخرى "أولى" للتعاطي معها..! ومرة أخرى يخرج المبدع بمرارة مشوبة بخيبة الأمل بعد أن اعتقد أن الأمور أخذت بالتحسن أخيرا..! فيرى بأم عينه كيف أن أمورا تافه -مقارنة بما يطرحه- هي أهم عند الناس مما يقدمه..! فأي شعور بعدها سوف يشعر هذا الشخص سوى أنه يعيش في مجتمع "ساذج" و"غبي"..!؟

أما أسوء الحالات التي قد يواجهها المبدع وأخطرها هو "التصادم" مع المجتمع..! فالإبداع بطبيعة الحال هو تطوير للأفكار وبما أن كل شيء في الكون يتمظهر على شكل (أطوار) أثناء عملية التطور، فهذا يعني أن كل طور تالي يختلف بطريقة "ما" عن الطور السابق..! وإلا فلماذا نسمي العلمية أطوار..!؟

فالمشكلة التي يقع فيها المبدع هو أنه شخص قد وصل للأطوار التالية من العلم والمعرفة في حين أن بقية المجتمع موجود في الأطوار السابقة..! فإذا كان المجتمع يعاني من ضعف معرفي فإن الحالة ستكون أسوء بكثير إلى درجة أن هذا المجتمع سوف يرى هذا المبدع بأنه على خطأ جسيم بدلا من أن يرى أن هذا المبدع قد قطع أشواط من التطوير المعرفي يستحق التقدير عليه والإجلال..! إذ أن المجتمع ضعيف المعرفة سوف لن يستطيع التمييز بشكل جيد بين "الاختلاف" بسبب الطور التالي للعلم والمعرفة وبين "الاختلاف" بسبب أن ما يقدم له هو شيء "خاطئ" والذي هو بطبيعة الحال "مخالف" للصواب...........!

فإذا تعرض المبدع لقضايا حساسة بالنسبة للمجتمع هنا تقع الكارثة....! ويحصل التصادم العنيف بين المجتمع (ضعيف المعرفة) وبين ذلك المبدع..! بدلا من أي يكون المجتمع عالي المعرفة فيصحح بعض مسارات ذلك المبدع فيما لو أخطأ في بعض القضايا، فالفكر والإبداع هو عمل جماعي أولا وأخيرا..!

فإذا وجد المبدع نفسه بين أناس لا يرون ما يراه وبين أناس يرون أنا ما يراه هو أمر بعيد المنال أو أن يجد نفسه بين أناس يعتبرونه على خطأ جسيم وفادح.. حينها يبدأ المبدع بالبحث بشكل جدي عن مجتمع يستطيع فهمه بشكل أفضل وأقدر على رؤية ما يراه..!

فإذا وصل المبدع إلى هذه النهاية والتي لا أمل فيها يبدأ في التفكير بالهجرة بشكل جدي..! ولا يعود للوطن إلا سائحا يستحضر الأيام السوداء التي عاشها في ربوعه..!

وبعدها تبدأ اسطوانة الوطن –المشروخة- بالعزف: ..."لا لهجرة العقول"..!

غلاء المهور

image لا شك أن قضية غلاء المهور هي أزمة اجتماعية بامتياز ولا داعي لاستعراض سلبياتها التي لا تعد ولا تحصى أصلا! فمشكلة غلاء المهور أنها تتخطى الحد الأدنى من المتطلبات الضرورية لإنشاء أسرة تعيش حياة كريمة لتنطلق إلى ما هو ابعد من النجوم في السماء!

وقد يقول قائل ما علاقة "غلاء المهور" بقضية القراءة..!؟ وهل يعقل أن قضية القراءة يمكنها أن تصل وتلعب دورا هاما حتى في المأساة الاجتماعية المسماة بـ"غلاء المهور"...؟!

في الحقيقة نعم..! وقبل الخوض في التفاصيل علينا "التذكر" دائما أن "المشتركات المعرفية" دورها الأساسي هو التشبيك البيني، والتشبيك البيني يعني علاقتها "بكل" شيء..! فهي القاعدة المشتركة لمنظومة العقل الجمعي للمجتمع والذي يبنى عليه كل شيء..! ولهذا نجد "تأثيرها" في كل شيء..! وكل ما هو مطلوب هو "رصد" ذلك التأثير ودراسته والعمل على تطويره..!

والآن كيف تؤثر "المشتركات المعرفية الراقية" في قضية غلاء المهور..! حتى نكون منصفين علميا لا بد من إجراء تجربة علمية عملية على مجتمع ما يعاني من غلاء المهور، ثم نزيد من نسب المشتركات المعرفية لدية بعد "إقناعه" بأهمية زيادته لها، ثم ننظر بعد ذلك ما الذي سوف يحدث..! فإذا حلت هذه الأزمة بشكل أو بآخر حينها نقول ونحن على ثقة كاملة أن الحل هو في "زيادة" نسب القراءة للكتب الثقافية العامة..!

لكن وإلى أن تفعل هذه التجربة العلمية لا يتبقى لدينا سوف البحث النظري الصرف ومحاولة التنبؤ بالنتائج..! الأمر الذي "يشجعنا" لخوض هذه التجربة الهامة لاحقا، والتي قد تحل هذه الأزمة، التي من الغريب أن المال "ليس حلا" لها على الرغم من أن المال "هو السبب" في نشوئها..!

يمكننا القول بكل بساطة وبعد التأمل في أسس المشكلة أن المشكلة مشكلة "إدراك" مادي للأمور..! أي أن النظرة الطاغية على المشهد هي نظرة مادية للأمور..! وبالتالي المطلوب هو العمل على جعل نظرة المجتمع وإدراكه "أقل" مادية للأمور..! وعندما يذكر أمر كهذا في علم النفس فهذا يعني أن المقابل هو النظرة والإدراك "المجرد" للأمور..! فكما هو معروف في علم النفس التربوي أن تفكير الطفل يرتقي من أسلوب التفكير والإدراك "المادي" للأمور إلى أسلوب التفكير والإدراك "المجرد" مع كبره في السن..!

وعندما تزداد النظرة المجردة للأمور فإن "ضغط" انشغال التفكير بالأمور المادية "يقل"..! أي أنه لو استطاع المجتمع العمل على الرقي بنظرته وإدراكه للأمور من النظرة المادية إلى نظر وإدراك أكثر تجردا فإن هذا المجتمع سوف "يتجرد" و"يتخلص" من الكثير من الضغوط المادية غير الضرورية والتي تحد من حرية خياراته..!

فعند ولوج مليارات الكتب الثقافية المعرفية في عقول الملايين من أفراد مجتمع ما فإنها سوف تجرد تفكيره من الكثير من الأمور المادية.. فمعادلة التناسب الطردي هي واضحة بين زيادة المعرفة وبين زيادة تجرد الفكر والإدراك..!

إذن ومرة أخرى الوسيلة الوحيدة لضخ ذلك الكم الهائل من المعرفة هو فقط عن طريق الكتب الثقافية..! فمشكلة الكتب المتخصصة أنه لا يمكن –أصلا- التعاطي مع كميات كبيرة منها عبر الأفراد. فمشكلة الكتب المتخصصة أنها تحتاج إلى قدر كبير من الجهد الذهني بسبب طبيعتها..! والكتب الثقافية غير المتخصصة هي الوحيدة القادرة على ضخ كميات هائلة من المعرفة..! فهي معرفة لا تحتاج إلى حفظ وحل معادلات...الخ

وهنا يأتي دور علماء النفس لعمل دراسة مستفيضة، تحاول هذه الدراسة رصد الفروق بين أسلوب تفكير المجتمعات الأعلى ثقافة والشعوب الأقل ثقافة من منظور التجرد من التفكير المادي..!

الغريب في الأمر.. أن زيادة المعرفة والتطور يجلب المزيد من "القدرة" المادية للأفراد على الرغم من أنها تسبب "بمزيد" من التجرد في التفكير. ويا لها من سريالية ما بعدها سريالية..! فما الذي يحدث بالضبط..؟! وكيف لنا فهم هذا التناقض الذاتي..؟!

في الحقيقة القضية حقا غريبة عجيبة..! فعندما يتشكل المجتمع فإنه يتشكل على شكل "منظومة"..! وبطبيعة الحال أي منظومة لها "نواة"..! وإذا حاولنا "استقراء" أنوية" منظومات الكون للاحظنا العديد من الصفات المشتركة..! وعلى رأس هذه الصفات (إلى جانب "الإدارة" والتحكم) أن النواة هي أكثر مكان "احتواء" للبناء المعرفي..! فهي أكثر مكان في كل المنظومة معقد التركيب إلى جانب أنها أكثر مكان يحتوي "المعرفة" المخزنة اللازمة لإدارة بقية المنظومة..!

فلو تأملنا نواة الخلية لاحظنا تلك القضية متجسدة بها، كذلك الأمر بالنسبة لدماغ الإنسان الذي هو نواة منظومة "الإنسان"..! طبعا لا يعني هذا الأمر الانجرار وراء بعض المصطلحات اللغوية الدارجة، فما يسمى بـ"نواة" الذرة هو مصطلح غير دقيق! فالإلكترون والبروتون (كما في ذرة الهيدروجين) هما شقي نواة الذرة حسب فهمي للأمور..!

وإذا أردنا تصنيف "المعرفة" المحتواة في الأنوية نلاحظ أنها تحمل صفة "الكلية"..! فإدارة منظومة ما ككل يعني الحاجة إلى القوانين الكلية التي تدير المنظومة ككل..! ولكما ابتعدنا من النواة قلت "الكلية". وعليه -بالمناسبة- فإن المشتركات المعرفية هي تلك الكلية المكونة لنواة المجتمع...! فهي الوحيدة القادرة على التواجد في جميع العقول..! وبالتالي فإن المجتمع الأعلى ثقافة هو مجتمع أفراده مجتمعون في نواة منظومة المجتمع! وهذا المركز أي النواة هو الأكثر تجردا..! فكل أنوة الكون هي أكثر الأماكن تجردا في المنظومات المتواجدة فيها..!

ولهذا فمن واجبنا "جميعا" العمل على إزاحة أفراد المجتمع باتجاه "المركز"...! الذي هو أكثر تجردا..! فإذا تجمع عدد أكبر من الأفراد لتشكيل نواة المجتمع، يصبح هذا المجتمع أكثر تطورا لأن نواته صارت تملك كم أكبر من الأفراد ذوي المعرفة "النووية"...!

وكنتيجة لتشكل وتركب نواة أكثر تطورا هو.. "تشكل" منظومة مادية محيطة أكثر تطورا حول تلك النواة..! ولهذا نلاحظ أن الأطفال على سبيل المثال ماديين في تفكيرهم وإدراكهم ومع هذا لا يملكون شيئا، عكس الكبار الذي تفكيرهم وإدراكهم أكثر تجردا وفي نفس الوقت يملكون "مادة" أكثر من الأطفال..!


الخاتمة والتوصيات

بعد كل ما ذكر في أهمية القراءة للمجتمع وضرورتها القصوى لاستمراريته وتطوره، لم يبقى سوى قضية هامة وهي: "كيف لنا إيصال هذا الكم الهائل من أهمية القراءة إلى المجتمع حتى "يقتنع" المجتمع ويصبح مجتمع قارئ..؟!"

المطلوب هو أن "يعلم" المجتمع بتفاصيل هذه الأهمية حتى يقرر المجتمع أن "يقرأ"، وأساليب إعلام المجتمع بهذا الأمر الجلل عديدة منها:

-أن تظهر هذه المعرفة أي "علم الثقافة" في المناهج الدراسية..! إذ من أفضل الوسائل لإيصال معلومات هامة للمجتمع هي المدرسة والكتاب المدرسي..!

-أن يقوم الإعلام بحملة إعلامية مكثفة تناقش وتحاور المحتوى "الثقافي" لعلم الثقافة..!

-وحتى يستمر "علم الثقافة" بالنمو والتطور والانتشار أكاديميا.. على جامعة ما أن "تتبنى" هذا العلم وتقوم بكل ما يلزم لتطويره وترسيخه وتقدم كل ما يحتاجه هذا "التخصص العلمي الجديد" من دراسات وإحصاءات وأبحاث..! وهو بالمناسبة عرض مخصوص فقط لأي جامعة "عربية".. إلى أن أصبح أنا "شخصيا" الضحية التالي لهجرة العقول...!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اهمية القراءة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اهمية النبات
» اهمية الوعل
» اهمية الحمام
» اهمية الدجاج
» اهمية الحداة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: :: ملتقيات العامة :: :: قسم المعلومات العامة-
انتقل الى: