أحكام عورة الرجل والمرأة في الصلاة وخارجها
إن من أوجب الواجبات أن يعرف المسلم ما يتعين عليهم معرفته وإدراكه, وهي أمور كثيرة هو بحاجة إلى علمها وتعلمها, وبيان الحكم الشرعي فيها من خلال ما ورد في القرآن الكريم, والسنة النبوية, وما استظهره العلماء الأجلاء قديماً وحديثاً, ومن هذه الأمور التي أضحى الناس اليوم بحاجة إلى معرفتها هي أحكام العورة وسترها والتي ترد في غالب أحوال الناس اليومية سواء مع المحارم أو الأجانب من رجال ونساء.
المراد بالعورة:
« ما أوجب الشارع ستره من الذكر والأنثى, والعورة المغلظة: الذكر والخصيتان, والفرج والدبر»( ).
حكم ستر العورة في الصلاة:
أجمع الفقهاء على أن ستر العورة عن العيون واجب( ), وأنها شرط في صحة الصلاة, إلا بعض المالكية فإنهم قالوا: هي واجبة للصلاة, وليس بشرط في صحتها مما يتأكد بها, وقال بعضهم هي شرط مع الذِّكر والقدرة ( ).
الفرق بين عورة الرجل والمرأة في الصلاة:
حد عورة الرجل في الصلاة:
اختلف العلماء في حد عورة الرجل على قولين:
القول الأول:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية, والمالكية, والشافعية, وأحمد في رواية إلى: أن حد عورة الرجل في الصلاة ما بين السرة إلى الركبة.
قال المرغنياني: « وعورة الرجل ما تحت السرة إلى الركبة » ( ).
وقال ابن جزي: « وعورة الرجل من السرة إلى الركبة » ( ).
وقال النووي: « وعورة الرجل, حـراً كان أو عبداً, مـا بين السرة والركبة على الصحيح » ( ).
قال ابن قدامة في حد العورة: « والصالح في المذهب أنها في الرجل ما بين السرة والركبة نص عليه أحمد في رواية » ( ).
القول الثاني:
أن حد عورة الرجل في الصلاة هي السوءتان, وهو قول لبعض المالكية ( ), ورواية عن الإمام أحمد ( ).
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بأن حد عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة بما يلي :
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تبرز فخدك ولا تنظر إلى فخد حي ولا ميت » ( ).
2- قال صلى الله عليه وسلم : « إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة » ( ).
3- عن محمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه مر على مَعْمَر محتبياً كاشفاً عن طرف فخذه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « خـمّر فخذك فإن الفخذ عورة » ( ).
4- ومن حديث جرهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على جرهد وفخذ جرهد مكشوفة في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا جرهد, غط فخذك, فإن الفخذ عورة » ( ).
5- وعن أبي أيوب, قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ما فوق الركبتين من العورة, وما أسفل السرة من العورة » ( ).
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بأن حد عورة الرجل في الصلاة هي السوءتان بما يلي:
1- عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بِغَلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في رفاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ... » ( ).
وقال ابن حزم في وجه الاستدلال من الحديث: « فصح أن الفخذ ليست بعورة، ولو كانت عورة لما كشفها الله ? عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة، ولا أراها أنس بن مالك ولا غيره, وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا وقبل النبوة » ( ).
2- عن عائشة قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخديه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس النبي صلى الله عليه وسلم يسوي ثيابه, فدخل فتحدث فلما خرج قالت له عائشة: دخل عليك أبو بكر فلم تجلس, ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك, فقال: « ألا أستحي ممن استحى منه الملائكة » ( ).
وجه الاستدلال:
دخول أبو بكر وعمر رضي الله عنهما والرسول صلى الله عليه وسلم كاشفاً عن فخذيه فدل ذلك على أنهما ليستا من العورة.
3- عن أبي العالية قال: أخر ابن زياد الصـلاة, فجـاءني عبد الله بن الصامت فألقيت له كرسياً, فجـلس عليه, فذكرت له صنيع ابن زياد, فمص على شفته وضرب فخذي وقال: إني سألت أبا ذر كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك, وقال: إنِي سألت رسول اللّه كما سألتني. فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال «صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا. فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَّةُ مَعهُمْ فَصَلِّ. وَلاَ تَقْلْ: إِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلاَ أُصَلِّ» ( ).
قال ابن حزم في وجه الاستدلال من الحديث: « فلو كان الفخذ عورة لما مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي ذر أصلاً بيده المقدسة, ولو كانت الفخذ عند أبي ذر عورة لما ضرب عليها بيده ( ).
الترجيح:
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن حد عورة الرجل في الصلاة هو ما بين السرة والركبة, ولكن الفخذ عورة مخففة, والسوءتين عورة مغلظة, وهذا ما رجحه ابن القيم حيث قال: « وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة, فالمغلظة السوءتان, والمخففة الفخذان, ولا تنافي بين الأمر بغض النظر عن الفخذين لكونهما عورة وبين كشفها لكونها عورة مخففة » ( ).
وعلى هذا فالرجل إذا كان يؤدي الصلاة وإن ترجح أن حد العورة هما السوءتان فقط, فالرجل كونه بين يدي ربه لا يكتفي بستر عورته المغلظة فقط, ولكن يستر أيضاً عورته المخففة أدباً مع الخالق ? فيستر في الصلاة ما بين الركبة إلى السرة.
حد عورة المرأة في الصلاة:
اتفق العلماء على أن بدن الحرة كله عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها.
قال المرغنياني: « وبدن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها » ( ).
وقال ابن عبدالبر: « وقد أجمعوا أنه من صلى مستور العورة, فلا إعادة عليه, وإن كانت امرأة, فكل ثوب يغيب ظهور قدميها, ويستر جميع جسدها وشعرها, فجائز الصلاة فيه, لأنها كلها عورة إلا الوجه والكفين » ( ).
وقال النووي: « وأما المرأة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين » ( ).
وقال ابن قدامة: « لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها » ( ).
أدلة حد عورة المرأة في الصلاة:
من القرآن الكريم:
قال تعالى: ( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) [ النور:31 ].
قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: « وجهها وكفيها » ( ).
من السنة النبوية:
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين » ( ).
وجه الاستدلال:
لو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترها ( ).
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار » ( ).
الفرق بين عورة الرجل والمرأة في الصلاة:
بعد عرض أقوال العلماء يتضح أن الفرق بين عورة المرأة والرجل في الصلاة هي: أن الرجل عورته ما بين السرة إلى الركبة في الصلاة, أما المرأة فهي جميع جسدها إلا وجهها وكفيها ( ).
الفرق بين عورة الرجل والمرأة بحضرة المحارم:
حد عورة الرجل أمام النساء المحارم:
اختلف العلماء في حد عورة الرجل أمام الرجال والنساء المحارم إلى قولين - سبق ذكرهما بأدلتهما، وعلى هذا تكون عورة الرجال أمام النساء والرجال المحارم هي ما بين السرة والركبة.
حد عورة المرأة أمام الرجال المحارم:
اختلف أهل العلم في مقدار عورة المسلمة أمام الرجال المحارم على قولين:
القول الأول:
يجوز للمرأة أن تكشف أمام محارمها جميع جسدها عدا ما بين السرة والركبة, وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية.
قال الكاساني: « ... وهو ذات الرحم المحرم فيحل للرجل النظر من ذوات محارمه إلى رأسها وأذنيها وصدرها وعضدها وثديها وساقها وقدمها » ( ).
وقال الشربيني: « ولا ينظر الفحل من محرمه الأنثى من نسب أو رضاع أو مصاهرة ما بين سرة وركبة منها, أي يحرم نظر ذلك إجماعاً, ويحل بغير شهوة نظر ما سواه أي المذكور, وهو ما عدا ما بين السرة والركبة » ( ).
القول الثاني:
يجوز للمرأة أن تكشف أمام محارمها ما يظهر غالباً من جسمها، كالرقبة والرأس والكفين والقدمين والذراعين, أما ما عدا ذلك مما يستر غالباً، كالصدر والظهر والثدي والساق فليس لها كشفه أمامهم وعليها ستره، وإلى هذا ذهب المالكية والحنابلة.
قال الخِرَشي: « يعني أن عورة الحرة مع الرجل المحرم من نسب أو رضاع أو صهر جميع بدنها إلا الوجه والأطراف، وهي ما فوق المنحر، وهو شامل لشعر الرأس والقدمان والذراعان فليس له أن يرى ثديها وصدرها وساقها » ( ).
وقال ابن قدامة: « ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفـين والقدمين ونحو ذلـك وليـس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوها » ( ).
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
من الكتاب: قال تعالى: ? وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ? [النور:31].
وجه الاسـتدلال :
أن الآية تدل على جواز إبداء جسدها للمحارم عدا ما بين السرة والركبة ( ).
من المعقول:
1- ولأن حرمة النظر إلى هذه المواضع ومسها من الأجنبيات، إنما ثبت خوفاً من حصول الشهوة الداعية إلى الجماع، والنظر إلى هذه الأعضاء ومسها في ذوات المحارم لا يورث الشهوة لأنهما لا يكونان للشهوة عادة بل للشفقة ( ).2- أن المحرمية معنى يوجب حرمة المناكحة فكانا كالرجلين والمرأتين ( ).
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
من الكتاب: ? وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ? [ النور:31 ]
وجه الاستدلال :
أن الآية دلت أنه لا بأس أن يرى المحارم الزينة الخفية من محارمهم، كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد، مما يبدو عند المهنة والخدمة لكثرة المخالطة الضرورية بينهم وبينهن، وقلة توقع الفتنة من قبلهم ( ).