العبارة الشهيرة للحجاج بن يوسف الثقفي [والله إني لأرى رؤوسا قد أينعت وقد حان قطافها]...
وهل هناك منَّا من لم يسمع بتلك العبارة .. وللحقيقة أن تلك العبارة مأخوذة من خطبة شهيرة للحجاج تنضح فصاحة وبلاغة...
وقد آثرت
أن أنقلها لكم هنا لأجل عيون كل الزواخر الكرام ... رغم جهد النقل...
إليكم القصة كاملة ... وهي بحق تستحق القراءة ..
...
...لما بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان اضطراب أهل العراق جمع أهل بيته .. وأولي النجدة من جنده ، وقال أيها الناس:
إنَّ العراق كدُرَ ماؤها وكثر غوغاؤها واملولح عذبها وعظم خطبها وظهر صرامها وعسُر اخماد نيرانها، فهل من ممهد لهم بسيف قاطع وذهن جامع وقلب ذكي وأنف حميّ فيخمد نيرانها ويردع غيلانها وينصف مظلومها...
ولما استقرَّ رأيه على تولية الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق..خرج الحجاج قاصدا الكوفة فلما وصلها دخل صحن المسجد وعليه عمامة حمراء متلثما بها ثم صعد المنبر فلم يتكلم كلمة واحدة، ولا نطق بحرف حتى غص المسجد بأهله ـ وأهل الكوفةيومئذ ذوو حالة حسنة وهيئة جميلة فكان الواحد منهم يدخل السجد ومعه العشرون والثلاثون من أهل بيته ومواليه وأتباعه. وقد كان في المسجد يومئذ عمير بن صابئ التميمي فلما رأى الحجاج على المنبر ، قال لصاحب له، أسبُّهُ لكم.، قال اكفف حتى نسمع ما يقول، فأبى عمير وقال: لعن الله بني أمية حيث يولون ويستعملون مثل هذا على العراق، وضيَّع الله العراق حيث يكون هذا أميرها ، فوالله لو دام هذا أميرا كما هو ما كان بشيئ.والحجاج ساكت ينظر يمينا وشمالا فلما رأى المسجد قد غصَّ بأهله قال انّي لا أعرف قدر اجتماعكم..فهل اجتمعتم؟ فقال رجل من القوم قد اجتمعنا أصلح الله الأمير.فكشف عن لثامه ونهض قائما فكان أول شيئ نطق به أن قال:
" والله إني لأرى رؤوسا قد أينعت وقد حان قطافها وإني لصاحبها، وإني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى ، والله يا أهل العراق إن أمير المؤمنين نثر كنانته بين يديه، فعجم عيدانها فوجدني أمرَّها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بي ، لأنكم طالما آثرتم الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلال ، والله لأنكِّلنَّ بكم في البلاد، ولأجعلنّكم مثلا في كل واد ، ولأضربنَّكم ضرب غرائب الإبل، وإني يا أهل العراق ، لا أعد إلا وفيت، ولا أعزم إلا أمضيت ، فإياي وهذه الزرافات والجماعات وقيل وقال ، وكان ويكون ـ يا أهل العراق إنما أنتم أهل قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ، فكفرت بأنعم الله فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوثقوا واستقيموا واعملوا ولا تميلوا وتابعوا وبايعوا واجتمعوا واستمعوا، فليس مني الإهدار والإكثار،إنما هو هذا السيف،ثم لا ينسلخ الشتاء من الصيف ، حتى يُذلَّ الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، ثم إني وجدت الصدق مع البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب مع الفجور، ووجدت الفجور في النار، وقد وجَّهني أمير المؤمنين إليكم وأمرني أن أنفق فيكم وأوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن صفرة ، وإني لأقسم بالله لا أجد رجلا يتخلّف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه. يا غلام.. اقرأ كتاب أمير المؤمنين"
فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم .. فلم يردَّ أحد شيئا، فقال الحجاج:" أكفف يا غلام ، ثم أقبل على الناس فقال : أيسلِّم عليكم أمير المؤمنين فلا تردُّون عليه شيئا، هذا أدبكم الذي تأدبتم به، أما والله لأؤدبنَّكم أدبا غير هذا الأدب، إقرأ يا غلام فقرأ حتى بلغ قوله سلام عليكم فلم يبق أحد إلا قال وعلى أمير المؤمنين السلام، ثم نزل بعدما فرغ من خطبته وقراءته ووضع للناس عطاياهم، فجعلوا يأخذونها ، حتى أتاه شيخ يرعش فقال أيها الأمير: إني على الضعف كما ترى، ولي ابن هو أقوى مني على الأسفار، أفتقبله بديلا مني؟ فقال : نقبله أيها الشيخ ، فلما ولّى قال له قائل: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال لا ، قال هذا عمير بن صابئ الذي يقول:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكي حلائله
ولقد دخل هذا الشيخ على عثمان رضي الله عنه وهو مقتول فوطئ في بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه. فقال الحجاج ردّوه..فلما ردّوه قال له الحجاج: أنت الفاعل بأمير المؤمنين عثمان ما فعلت يوم قتل الدار، إن في قتلك أيها الشيخ إصلاحا للمسلمين، يا سيَّاف، أضرب عنقه فضرب عنقه.