في الذكرى السنوية الرابعة عشر لاغتياله القائد التاريخي .. أسعد الصفطاوي .. رجل في زمن عز فيه الرجال بقلم:محمد أسعد الصفطاوي
تاريخ النشر : 2007-10-23
كبر الخط صغر الخط
21-10-1993 .. يوم لم يكن عاديا بالمطلق في حياة الشعب الفلسطيني ولم يكن كذلك في حياة المدينة التي نشأ بها وترعرع بين أهلها الطيبين .. غزة هاشم في ذلك اليوم القبيح اتشحت بالسواد وملأ الحزن جميع أزقتها وشوارعها .. الجميع شعر بفداحة الخسارة .. الجميع علم مقدار الرجل الذي كان يسير بين الناس بكل أريحية وتواضع فيمازح هذا ويداعب ذاك وعندما يسارع إليه أحد ليسأله شيئا يواريه عن أنظار الناس خوفا على كرامته وعزته !! سلوك مستغرب من رجل كان ملئ السمع والبصر في حياته بالقياس إلى مكانته وموقعه
انه الرجل الثاني في الداخل بعد الراحل ياسر عرفات هكذا كان يقال عنه .. وهكذا كان تعامل وسلوك الأخير مع أبناء شعبه .. سلوك ليس مستغربا على قائد حقيقي تربى في مدارس الإخوان المسلمين لينهل من المنهل الصافي للعلم والإيمان .. تلك الجماعة التي انطلق منها ليؤسس مع رفاقه الشرفاء الأوائل حركة عرفت باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وهو الذي اقترح اسمها ..ليؤسس مع رفاقه الأوائل لحقبة طويلة من حقب النضال والجهاد في فلسطين الحبيبة ..
الساعة تقارب الثالثة فجرا .. صوت طرقات متتابعة على باب الدونم ( قطعة أرض صغيرة بها ديوان استأجره الشهيد واتخذه مقرا لحل النزاعات والمشاكل بين الناس ) الشهيد القائد الأب يصحو من نومه فزعا مع أبناءه ليناشد أحدهم بأن ينظر من بالباب فيخرج الابن ليفتح الباب فإذا بأحد الناس يريد أن يرى – أسعد الصفطاوي – ليشتكي له ظلم حماته له !! فيغضب الابن من غرابة التوقيت وتفاهة السبب ويريد أن يعتذر للرجل الغريب فالأب لم يكد يريح بدنه المجهد من عناء يوم طويل .. فإذا بالقائد المربي ينهى ابنه عن ذلك ويرحب بالضيف بابتسامة مشرقة لم تكن أبدا تفارق محياه .. حتى في مثل هذا التوقيت !!
تلك المواقف وغيرها الكثير الكثير لتنبئ بشكل جلي عن شخصية قائد حقيقي من قادة حركة فتح الأوائل والذي عرف عنه التدين والالتزام أورث ذلك تواضعه الشديد ونظافة يده وعطفه على الفقراء والمساكين فبيته لم يغلق يوما في وجه أحدهم .. فأحدهم يقصد داره العتيقة والتي قضى بها جل حياته مع أسرته وأبناءه ويستغرب مما يرى !! بيت قديم يكاد يبلى ويأكل الدهر جدرانه هو بيت أسعد الصفطاوي الرجل الذي تعرفه غزة بأسرها .. الرجل الذي عندما يقضى في نزاع فلا أحد يستطيع كسر قراره .. ليس خوفا من مسلحيه أو عصابته .. فلم يكن الشهيد يوما من أولئك الذين يحول بينهم وبين الناس الحراس والمسلحين وحتى الواسطات .. بل احتراما ووقارا وهيبة من شخصه الكريمة ..
ذكرى شهيدتا تذكرنا بتاريخ طويل حافل بالجهاد ومقارعة العدو فلم يكد يخرج من سجن حتى يبرح سجنا آخر وهكذا كان أبناءه باختلاف توجهاتهم ساروا على نفس الدرب .. درب الشرف والتضحية .. والعزة والإباء ..
هذا الرجل الكل مدين له في شعبنا الفلسطيني ..لأن بيته كما قلبه .. اتسع للجميع .. لفتح لحماس للجهاد لجميع الفصائل ... وكذلك ظلم من الجميع دون استثناء .. عندما ولغ البعض في دمه خطئا أو عمدا ارتضى أن يكون دمه سبيلا لوقف نزيف دماء أخرى من أبناء شعبنا المصابر ...فلم يرد يوما انتقاما لنفسه أو أن نصرة لكرامته
فقد كان شعاره أن كرامتنا من بعضنا البعض
ذلك القائد الفذ الذي نسيه الكثيرين .. هذا موعد لنجدد ذكراه في الوجدان والأفئدة ..
ذلك القائد التاريخي. دمه يدعونا إلى معاني الأخوة والوحدة والترابط خاصة في مثل هذا الوقت العصيب ..
في ذكرى اغتياله سيظل دمه الطاهر لعنة أبدية تطارد القتلى العملاء وان كان بعضهم ليس من أهل دنيانا ستطاردهم في قبورهم وتشعلها على أبدانهم نارا وجحيما ..
دمه الطاهر سيظل ينادي بأعلى صوته .. أما آن لقاتلي أن يكشف ويعرف .. أما آن للمجرم الجاني أن يماط اللثام عنه بشكل واضح وجلي .... وهو أقل ما يقدم إلى شعب احتضن هذا القائد وافتخر به ..
الكاتب / محمد أسعد الصفطاوي