منزلة الصحيحين 13401710
منزلة الصحيحين 13401710
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 منزلة الصحيحين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
براء حجاج
نجمه 3
نجمه 3



عدد المساهمات : 326
نقاط : 5584
تاريخ التسجيل : 25/12/2010
العمر : 28
تاريخ اليوم والوقت : hgff.ghfymslam2011

منزلة الصحيحين Empty
مُساهمةموضوع: منزلة الصحيحين   منزلة الصحيحين Icon_minitimeالأربعاء يناير 05, 2011 10:52 pm



الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيآت أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وصلى الله وسلم على أشرف رسله ، وأكرم خلقه ، سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين ؛ أما بعد فإن ما دعاني إلى تدوين هذه السطور ، والدندنة حول مسائل تختص بالصحيحين - صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وصحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري - أمور منها :-

أولا: ما كان من قول صدر في السابق عن إمامين من أئمة المسلمين ، لهما القِدْحُ المعلَّى في العلم ،والقدر الواسع في الفهم ، هما الإمام محمد بن إدريس المطلبي الشافعي ، والإمام جمال الدين أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر القرطبي النمري المالكي- رحمهما الله تعالى ورضي عنهما - فمع جلالة قدرهما ومَنْزِلتهما العظيمة ، إلا أن الإمام الشافعي تأوَّل حديث أنس في شأن البسملة انتصارا لمذهبه ، وشوَّش الإمام ابن عبد البر على رواية الحديث تحقيقا لمطلبه ، إذ إنَّ الإمام الأول يرى أن البسملة آية من أول سورة الفاتحة ، وتبطل صلاة من لم يقرأ بِها في الصلاة السريِّة أو الجهريَّة ، والإمام الثاني جاء بالقول بأن حديث أنس مُضْطَرِبٌ ؛ ومعلوم لكل مؤمن بالله تعالى وبرسوله أنه لا معصوم إلا المعصوم ( وكل أحد يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر )كما قال الإمام مالك رحمه الله ، والحق أَحَقُّ أن يتَّبَع ، والاعتراض عليهما فيما ذهبا إليه لا يقدح في علمهما ، ولا يُنْزِل من قدرهما ، ولا يطعن في كرامتهما ، عليهم من الله سحائب رضوانه

ثانيا :- تخرُّص بعض المتخرصين ، وتقوُّل بعض المتقوِّلين على الصحيحين ، من العلماء السابقين ، من أمثال الدَّارَقُطْنِيّ الذي كتب كتابه الموسوم بـ ( الاستدراكات والتَّتَبُّع ) تَتَبَّع أحاديث في صحيح البخاري وتكلم على بعض رجاله ، كما كتب غيره في مثل ذلك وستأتي الإشارة إليهم لاحقا

ثالثا :- ظهور بعض المتسلقين من المتأخرين ، الذين عَدُّوا أنفسهم محققين وهم واهمون ، وركبوا مطايا الاستدراك زورا وهم أنضاء مهازيل ، وبغاث مستنسرون ......................... كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسدِ

رابعا :- لما كان المصدر الأهم الذي اعتمدتُ عليه - في الاستشهاد بكلام المصطفى فيما يتعلق بأمور الاستعاذة والبسملة خاصة - صحيح البخاري وصحيح مسلم فلقد كان لزاما عليَّ من بسط القول في بيان مكانة الصحيحين ؛ وما كان هذا الرد على هؤلاء وأولئك إلا لما في هذا السلوك من طعن في السنة المطهَّرة ، وتشكيك في أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى وهما الكتاب الجامع الصحيح من أقوال رسول الله ... للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ، والمسند الصحيح للإمام مسلم بن الحجاج القشيري - رحمهما الله تعالى - الصحيحان وصاحباهما عند الأمة

أولا : الإمام البُخَارِيّ وصحيحه إن حجة الحديث الشريف المروي عن الرسول هو وروده في صحيح البُخَارِيّ ، ذلك الكتاب الذي أخذته الأمة بالقبول ، وأجمعت على صحته بإجماع العلماء المعتبرين ، إذ قد أجمع المسلمون على أنه أَصَحُّ كتاب بعد كتاب الله تعالى ، دَعْكَ من قول المُتَلَصِّصِيْنَ المُرْجِفِيْنَ من أمثال الظاهرية السابقين أو اللاحقين ، فكلامهم عليهم مردود ، إذ إنَّ حجَّتَهم داحظة ، و انتقادَهم لا يثبت عند التحقيق ، فصحيح البُخَارِيّ جبل أشم لا يطاوله أحد،وقمة لا يصل إليها إلا الأبدال ممن كان في منزلة الإمام البُخَارِيّ رحمه الله ، في علمه وتقواه وصلاحه ومنزلته عند الله - عليه من الله شآبيب الرحمة والرضوان - ويماثل صحيحه صحيح مسلم بن الحجاج القشيري

1-علم الإمام البُخَارِيّ: أُثِرَ عن علي بن المديني وهو شيخ الإمام البُخَارِيّ الثناء عليه ، فقد قال عليُّ بن المديني للبخاري يوما: يا أبا عبد الله كُلُّ من أثنيتَ عليه فهو عندنا الرضا وقد قال هذا الكلام بعد أن سأله عن حال شخص من الرواة وقال الإمام البُخَارِيّ : لما دخلت البصرة صِرْتُ إلى مجلس محمد بن بشار فلما خرج وقع بصره عَلَيَّ فقال:من أين الفتى؟قلت:من أهل بخارى،قال:كيف تركت أبا عبدالله؟ فأمسكت،فقال له أصحابه:رحمك الله هو أبو عبدالله فقام فأخذ بيدي وعانقني وقال:مرحبا بمن أفتخر به منذ سنين

وقال محمود بن النضر أبو سهيل الشافعي : دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فَضَّلُوهُ على أَنْفُسِهم وقال الإمام أحمد بن حنبل: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان أبو زُرْعَةَ الرازي ومحمد بن إسماعيل البُخَارِيّ و عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي والحسن بن شجاع البلخي

وقال : ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل . ولما دخل البُخَارِيّ العراق قال أبو حاتم الرازي : محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق

وقال الحافظ رجاء بن المُرَجَّى المروزي : فَضْلُ محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء ، فقال رجل ذاك بمرة ؟ فقال : هو آية من آيات الله يمشي على ظهر الأرض

وقال موسى بن هارون الحمال:"عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن ينصِّبوا مثل محمد بن إسماعيل آخرَ ما قَدَرُوا عليه . وقال أبو جعفر عبدالله بن محمد الجُعفي المسندي : محمد بن إسماعيل إمام ، فمن لم يجعله إماماً فاتَّهِمْهُ

2-تقواه: أما في تقواه – رحمه الله - فيكفيك ما رَوَاهُ الخطيب في تاريخه بسنده إلى مقسِّم بن سعيد قال : كان محمد بن إسماعيل البُخَارِيّ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بِهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرءان ، وكان يقرأ في السَّحَرِ ما بين النصف إلى الثلث من القرءان فيختم عند السَّحَرِ في كل ثلاث ليالٍ ، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة ، و يقول : عند كل ختم دعوة مستجابة .

وعن أبي حاتم الوراق قال : دُعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه ، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بالقوم ثم قام للتطوع فأطال القيام ، فلما فرغ من صلاته رَفَعَ ذيل قميصه فقال لبعض من معه : انظر هل ترى تحت قميصي شيئا ؟ فإذا زنبور قد أبَّرَهُ في ستة عشر أو سبعة عشر موضعا ، وقد تورَّم جسده ، وكان آثار الزنبور في جسده ظاهرا فقال له بعضهم : كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما أَبَّرَكَ ؟ فقال : كنت في سُوْرَةٍ فأحببت أن أتمها!!

وما يدل على تقوى الإمام البُخَارِيّ وتحرِّيهِ الدِّقَّةَ فيما نقل وأثبتَ قولُه:"صنَّفْتُ كتابي الجامع في المسجد الحرام،وما أدخلت فيه حديثا حتى استخرت الله تعالى،وصليت ركعتين وتيقنت من صحته .

مكانة الصحيحين :

أ-الثناء على صحيح البُخَارِيّ : وما يدل على قدر صحيحه ومكانته قوله هو نفسه : صنَّفت كتابي الصحاح لست عشرة سنة ، خرَّجته من ستمائة ألف حديث ، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى . وكان الإمام البُخَارِيّ قد حفظ الستمائة ألف حديث هذه وكلها صحيح ، و ما اختاره في صحيحه هي ما كان من هذه الأحاديث المحفوظة لديه ، كما أنه حفظ مائتي ألف حديث غير صحيح !!! فعن محمد بن حمدويه قال : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : أحفظ ستمائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح . وعن مكانة صحيح البُخَارِيّ قال أبو عيسى التِّرْمِذِيّ : لم أرَ أحدا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل . وقال أبو بكر محمد بن إسحاق : ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البُخَارِيّ . وقال أبو جعفر العَقِيْلِيّ : لما صنف البُخَارِيّ كتاب الصحيح عَرَضَهُ على عليٍّ بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن مَعِيْن وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث !! قال العَقِيْلِيّ : والقول فيها قول البُخَارِيّ وهي صحيحة . وقال أبو بكر ابن خزيمة : ما في هذه الكتبِ كلِّها أجودُ من كتاب محمد بن إسماعيل - يعني البُخَارِيّ - وكان علي بن المديني - وهو شيخ البُخَارِيّ - إذا بلغه عن البُخَارِيّ شيء يقول : ما رأى مثل نفسه إ.هـ وقال شمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني ( ت793هـ ) في مقدمة الكواكب الدراري شرح صحيح البُخَارِيّ : عِلْمُ الحديث أفضل العلوم ، وكتاب البُخَارِيّ أَجَلُّ الكتب نقلا وأكثرها تَعْدِيلا وضبطا وأما عن تحرِّيْهِ فيه مع سلوك سبيل التقوى ، ما روى عنه الفَرْبَرِي قوله: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين وما روى عنه محمد بن عبد القدوس قال سمعت عدة من المشايخ يقولون : حَوَّلَ محمد بن إسماعيل البُخَارِيّ تراجمَ جامِعِهِ بين قبر النَّبِيّ ومنبره ، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين . وروى الفَرْبَرِي عن البُخَارِيّ قال : ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته . وأما عن الدقة فقد روى الإسماعيلي عنه قوله : لم أخرِّج في هذا الكتاب إلا صحيحا وتركت من الصحيح أكثر وقال محمد بن يوسف نبأنا محمد بن أبي حاتم قال : سئل محمد بن إسماعيل عن خبر حديث فقال : يا أبا فلان تراني أدلِّس ؟ تركت أنا عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر ، وتركت مثله أو أكثر منه لغيري له فيه نظر وعن إبراهيم بن معقل النسفي أنه قال : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول .

أما عن اعتداد العلماء به فقد قال الحاكم: رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام فإنه الذي ألف الأصول وبين للناس ، وكل مَنْ عَمِلَ بعده فإنَّما أخذ من كتابه . وقال ابن الأهدل والحافظ أبو نصر الوائلي السُّجزي وإمام الحرمين الجويني بألفاظ متقاربة : أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في صحيح البُخَارِيّ مما رُوِيَ عن رسول الله قد صح عنه وأن رسول الله قاله لا شك فيه ، أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حِبالته لذا فإن صحيح البُخَارِيّ كان عند الناس - من المحققين العلماء - كالذهب الإبريز في نقاء أحاديثه متنا وسندا ، فعرف العلماء المحققون من علماء الحديث الشريف له ولمؤلفه مكانته ، إلى حَدِّ أن الحديث لو أورده البُخَارِيّ من غير سند كان محل قبول ، قال الزَّبِيْدِيُّ ( ت1205هـ ) في بلغة الأريب :..وكذا إذا سقط رجاله ، فحكمه في صحيح البُخَارِيّ إن أتى بقال أو رُوِيَ دل على أنه ثَبَتَ عنده فإذا كان هذا شأن ما لم يُذكر له سند أصلا عند البُخَارِيّ هو بِهذا الاعتبار ، فكيف إذا أسنده البُخَارِيّ ؟ ثم كيف إذا اتفق الشيخان على تخريجه ؟ ألا يكون ذلك له قوة ، ويجعله حجة لكل محتج ؟ ثم إن شرط الصحيح عند العلماء : أن يكون إسناده متصلا وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مُدَلِّسٍ ولا مختلط ، متصفا بصفات العدالة ، ضابطا متحفظا ، سُلَيْم الذهن ، قليل الوهم ، سُلَيْم الاعتقاد والحديث إذا كان بِهذه الصفة أُطْلِقَ عليه لفظُ الصحة ، ذَكَرَهُ كائناً من كان ، فكيف إذا كان راويه البُخَارِيّ ، بل كيف إذا كان الشيخان كلاهما هما الراويين ؟

ب - الثناء على صحيح مسلم : قال الإمام مسلم رحمه الله عن صحيحه : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا ، إنَّما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه قاله جوابا لأبي بكر ابن أخت أبي النضر عندما سأله عن حديث أبي هُرَيْرَةَ هو صحيح ؟ يعني ( إذا قرأ فأنصتوا ) فقال هو عندي صحيح فقال لِمَ لَمْ تضعه هاهنا فأجابه بما ذكر وقال مَكِّيّ بن عبدالله : سمعت مسلم بن الحجاج يقول ( عرضت كتابي هذا على أبي زُرْعَةَ الرازي ، فكل ما أشار أَنَّ له عِلَّةً تركته ) وعن ابن الشَّرْقِي قال : سمعت مسلما يقول : ما وضعت شيئا في كتابي هذا المسند إلا بحجة ، وما أسقطت منه شيئا إلا بحجة .

ج-الثناء على الصحيحين كليهما : وفي الثناء على الصحيحين البُخَارِيّ ومسلم قال النووي في تَهذيب الأسماء و اللغات : أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ، ووجوب العمل بِهما ( يعني صحيحي البُخَارِيّ ومسلم ) وقال في شرح مسلم : اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرءان الكريم الصحيحان صحيح البُخَارِيّ وصحيح مسلم وتلقتهما الأمة بالقبول وكتاب البُخَارِيّ أصحهما صحيحا وأكثرها فوائد .

وقال النووي في تقديم صحيح البُخَارِيّ على صحيح مسلم في تقريب التيسير لمعرفة سنن البشير النذير : أول مصنَّف في الصحيح المجرَّد صحيح البُخَارِيّ ثم مسلم ، وهما أصح الكتب بعد القرءان ، والبُخَارِيّ أصحهما و أكثرهما فوائد إ.هـ وقال الحافظ ابن حجر ( ت852هـ ) في شرح نخبة الفِكَرِ له : الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك ، قال وهو أنواع منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما ممالم يبلغ التواتر ، فإنه احتف به قرائن منها : جلالتهما في هذا الشأن ، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما ، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول ، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر ، إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ , وبما لا يقع التجاذب بين مدلوليه ، حيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر إ.هـ وقال في مقدمة الصحيح : قد كان أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرَّج عَنْه في الصحيح[أي صحيح البُخَارِيّ] ( هذا جاز القنطرة ) يعني بذلك أنه لا يُلتفت إلى ما قيل فيه إ.هـ وقال ابن الحنبلي ( ت971هـ ) في قَفْوِ الأثر : وأما الصحيح فالذي أطلق بعض الأئمة على إسناده إنه أَصَحُّ الأسانيد ... إلى أن قال : وأيضا ما اتفق الشيخان على تخريجه في صحيحيهما فهو مقدَّم على ما انفرد به أحدهما في صحيحه ، وما انفرد به البُخَارِيّ في صحيحه فهو مقدم على ما انفرد به مسلم في صحيحه ... وقال ابن الصلاح ( ت642هـ ) في مقدمته أول من صنَّف الصَّحيحَ البُخَارِيّ أبو عبدالله محمد بن إسماعيل الجُعفي مولاهم ، وتلاه أبو الحسن مسلم بن الحجاج النَّيْسَابُورِيّ القشيري من أنفَسِهم .. وكتابُهما أصح كتاب بعد كتاب الله العزيز ، وأما ما رُوِيَناه عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال : ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ... فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البُخَارِيّ ومُسْلِم ، ثم إن كتاب البُخَارِيّ أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد ، وقال قبل ذلك إذا وجدنا فيما نرُوِيَ من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإناَّ لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته إ.هـ وقال الإمام أبو إسحق الإسفراييني : أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان ، مقطوع بصحة أصولها ومتونِها ، ولا يحصل الخلاف فيها بِحال ، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتِها ثم قال : فمن خالف حكمه خبرا منها ، وليس له تأويل سائغ للخبر نقضنا حكمه ، لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول وقال الحافظ العراقي في منظومته : واقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا كَذَا لَهُ ، وَقِيْلَ ظَنًّا ، وَلَدَى محققيهم قد عزاه النووي .................... وقال ابن الصلاح في المقدمة : ما أسنده البُخَارِيّ ومُسْلِم رحمهما الله في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال - وقال في معنى ( صحيح متفق عليه ) : يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البُخَارِيّ ومُسْلِم لا اتفاق الأمة عليه ، لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة على ما اتفقا عليه بالقبول وقال : و هذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن ، وإنَّما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ ، وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أوَّلاً هو الصحيح ، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ، ولهذا كان الإجماعُ المبتنى على الاجتهاد حجةً مقطوعاً بِها ، وأكثر إجماعات العلماء كذلك ، وهذه نكتة نفيسة نافعة ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البُخَارِيّ أو مُسْلِم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول ... إ.هـ وقال الشيخ فصيح الهَرَوِيّ ( ت837هـ ) : ما رَوَيَاهُ أو واحد منهما فهو مقطوع بصحته ، أي يفيد العلم القطعي نظرا لا ضرورة وقال بدر الدين العيني ( ت855هـ ) : اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم ... - وقال إمام العصر الشيخ محمد أنور الكشميري في فيض الباري في مبحث ( القول الفصل في أن خبر الصحيحين يفيد القطع ) : اختلفوا في أن أحاديث الصحيحين هل تفيد القطع أم لا ، فالجمهور إلى أنَّها تفيد القطع ، وذهب الحافظ رضي الله عنه إلى أنَّها تفيد القطع ، وإليه جنح شمس الأئمة السُّرَخْسِي رضي الله عنه من الحَنَفِيَّة ، والحافظ ابن تيمية من الحنابلة ، والشيخ عَمْرو بن الصلاح رضي الله عنه ؛ وهؤلاء وإن كانوا أقل عددا ( والكلام للشيخ أنور الكشميري ) إلا أنَّ رأيَهم هو الرأي ، وقد سبق في المثل السائر : تُعَيِّرُنَا أنَّا قَلِيْلٌ عَدِيْدُنَا فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الكِرَامَ قَلِيْلُ ثم صرَّح الحافظ رضي الله عنه أن إفادتَها القطعَ نظري ، كإعجاز القرءان ، فإنه معجز قطعا إلا أنه نظري ، لا يتبين إلا لمن كان له يد في علوم العربية عن آخرها ، ولذا لم يَدْرِ إعجازَ القرءان العرجانُ ، فإن قيل : إن فيهما أخبارا آحادا ، وقد تقرر في الأصول أَنَّها لا تفيد غير الظن ، قلت : لا ضير ، فإن في هذا باعتبار الأصل ، وذلك بعد احتفاف القرائن ، واعتضاد الطرق ، فلا يحصل القطع إلا لأصحاب الفن الذين يَسَّرَ لهم الله سبحانه التمييز بين الفِضَّة والقَضَّة ، ورزقهم علما من أحوال الرواة والجرح والتَّعْدِيْل ، فإنَّهم إذا مرُّوا على حديث وتتبعوا طُرُقَهُ ، وفتَّشوا رجالَه ، وعلموا حال إسناده ، حصل لهم القطع ، وإن لم يحصل لمن لم يكن له بصر ولا بصيرة... إ.هـ إن في الثناء على الصحيحين وصاحبيهما وردت أقوال وأقوال عن العلماء السابقين واللاحقين بما يفيد الإجماع على مكانتهما عند الأمة وجلالة قدرهما عند العلماء كافة ، وعند أهل الحديث خاصة ، بحيث أصبحا هما الفيصل عندهم في بيان حجة الرواية وقُوَّتِها ، فإذا ذُكِرَ الحديث في كليهما أو أحدهما ، أخذوه بالقبول ؛ لذا جعلوا شرط البُخَارِيّ أو شرط البُخَارِيّ ومُسْلِم حجة للروايات في غيرهما ، بِها ترفع مكانتها ، وتنفي الشك عنها ، فكان مجرد شرطهما أو شرط أحدهما ، شهادة إثبات و تشريف ، وإعلاء مكانة ومَنْزِلَةٍ ؛ مع أنه لا ينكر تفاوت العلماء في الاحتجاج بصحيح البُخَارِيّ ومُسْلِم ، واعتبار صحيح البُخَارِيّ أقوى حجة وأعلى مرتبة ، وصحيح مُسْلِم مع صحة ما فيه أحسن تبويبا وتنظيما ؛ إذ قال الزبيدي في بيان درجات الصحيح وتقديم روايات الصحيحين : ويتفاوت في القوة ( أي الصحيح لغيره ) باعتبار ضبط رجاله وتحرِّي مخرِّجيه ، ومن ثَمَّ قُدِّم ما أخرجه البُخَارِيّ ، ثم مُسْلِم ثم ما اتفقا عليه ، ثم ما انفرد به أحدهما ، ثم ما على شرطهما أو أحدهما ، ثم ما على شرط غيرهما إ.هـ ولكن مع هذا لا ننفي أنه قد وُجِدَ من العلماء من يغالي ويبعد النجعة في ذلك ، فيورد للبخاري شرطا ليس عنده أصلا ؛ فقد قال الحاكم ( ت405هـ ) في كتاب المدخل في هذا الباب : الدرجة الأولى من الصحيح اختيار البُخَارِيّ ومُسْلِم ، وهو أن يروي الحديث عن رسول الله صحابي زائل عنه اسم الجهالة ، بأن يرويه عنه تابعيان عدلان ثم يروي عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البُخَارِيّ حافظا مشهورا بالعدالة في روايته ، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا ، كالشهادة على الشهادة إ.هـ الأمر الذي أثار العلماء عليه ، فرموه عن قوس واحدة ... وقد ذكر الحافظ ابن حجر ردَّ الحافظ أبي الفضل ابن طاهر عليه وهو قوله : ما ادَّعاه الحاكم أبو عبدالله أنَّ شرط البُخَارِيّ ومُسْلِم أن يكون للصحابي راويان فصاعدا ثم يكون للتابعي المشهور راويان ثقتان إلى آخر كلامه ، فَمُنْتَقَضٌ عليه بأَنَّهما أخرجا أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راوٍ واحد إ.هـ وقال الحافظ معلقا : والشرط الذي ذكره الحاكم وإن كان منتقضا في حق بعض الصحابة الذين أخرج لهم ، فإنه معتبر في حق من بعدهم ، فليس في الكتاب حديثُ أَصْلٍ من رواية مَنْ ليس له إلا راو واحد قط , كما ذكر قول الحازمي في ذات الموضوع ، حيث أزرى على من قال بذلك بقوله : هذا قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح ، و لو استقرأ الكتاب حَقَّ استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة دعواه إ.هـ وقال ابن حجر : وقد فهم بعضهم ذلك من خلال كلام الحاكم في علوم الحديث وفي المدخل ... وبذلك جزم ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول وغيره ثم قال : وأَعْجَبُ من ذلك ما ذكره الميانجي في كتاب ( ما لا يَسَعُ المحدِّث جَهْلُهُ ) شَرْطَ الشيخين أَنْ لا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما ، وذلك ما رَوَاهُ عن النَّبِيّ اثنان فصاعدا ، وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر ، وأَنْ يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة ... وهو كلام من لم يمارس الصحيحين أدنى ممارسة ، فلو قال قائل ليس في الكتابين حديث واحد بِهذه الصفة لَمَا أَبْعَدَهُ إ.هـ - أقوال الظاهرية والمعتزلة الجدد : وبعد أن ذكرتُ لك غيضا من فيضٍ من كلام العلماء الفحول ، والأئمة العدول ، حُقَّ لك مثلي أن تعجب !! بل تأسى على حال من يدَّعي العلم والتحقيق ، والبحث والتدقيق ، حين يُنَصِّبُ نفسه قاضيا يحكم على الأئمة الأعلام بحكمه الجائر ، وعقله القاصر ، فيدَّعي دعاوى عريضة ، لنَفْسٍ عنده بسوء الظن مريضة ، فيجرِّحَ علما من أعلام الهدى الذاب عن سنة رسول الله ا الأذى ، ويطعن في صحيحه الذي أجمعت الأمة قاطبة على أنه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل ؛ إذ إنَّ من أعجب ما وجدت من ذلك ، التطاول على الصحيحين من بعض طلبة العلم الصغار ، من الذين لم يصلب لهم عود بعد ، ولم يبلغوا مبلغ الرجال في العلم ، فيقولون قول زور ، ويتلفظون بعظائم الأمور ، وهو أن في صحيح البُخَارِيّ أحاديث مطعون في صحتها لضعف رواتِها ، حيث أنكر أحدهم الإجماع على صحتهما ؛ وهو أمر يحزُّ في النفس ويحزِنُ المؤمنين الغيورين ، بقدر ما يوجد الغرابة لدى العقلاء والمنصفين !! وما يحصل هذا - يا رعاك الله - إلا يوم ينفخ إبليس في نفوس الناس بالغرور ، فيقول يومئذ قائلهم هم رجال ونحن رجال ، وما هم بذاك ، وما أبعد البَون بين أولئك الرجال وأولاءِ ، لا في طول الباع في العلم وحسب ، بل ولا في التقوى والاتِّباع ، والخوف من الله تعالى والانقطاع ؛ ونحن لا ننكر أنه حصل تشويش على الصحيحين ليس في قرننا هذا ، بل في القرون السالفة ، لكنه تشويش حصل من علماء لهم وزنُهم بين الناس ، لا من أفرادٍ من المتسلِّقين جُدُرَ المهالك ، الهائمين في مهامه الديجور في المسالك .. ونحن إذ نعرِّج على السابقين ونُتْبِعُ بِهم الآخِرِيْنَ ، نجد أن من السابقين - ممن انتقد أحاديث في الصحيحين – فريقين : فريقٍ عالم بعلم الجرح والتَّعْدِيْل غير مُعْتَمَدٍ قوله ، ولا يعتد بما انتقده عقله ، كأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، فهذا لا يعتد العلماء بما عدَّل أو جرَّح ، وفريقٍ عالم بِعِلْمِ الجرح والتَّعْدِيْل مُفْرِطٍ في أمره كابن عبد البر وأبي داود و الدَّارَقُطْنِيّ وأمثالهما ، وغالبُ ما أتى من جهة هؤلاء إنَّما هو في اختلاف القواعد التي لديهم عن القواعد التي عليها الجمهور ، فآراؤهم على هذا مما هو في حكم الشاذ الذي لا اعتبار له ؛ أما اللاحقون ممن هم في عصرنا هذا فهم أصناف :-

إما محدِّث مغرور من أصحاب الهوى وحب الظهور ، وإما محسوب على العلم و أهله ممن لُقِّنَ فَنَطَقَ،وأُغْرِيَ بالسِّجال فَتَمَنْطَقَ ، وإما مأجور ممن تتلمذ على أسياده من مستشرقي الغرب أو الشرق وتخرَّج على أيديْهم فقام بالعمل عنهم نائبا ، ينطق بدَخَلِ قلوبِهم وانحراف لسانِهم ، وإما كان منحرفا ملحدا زائغا عن الملة ثم صار بين عشية وضحاها شيخا من شيوخ الإسلام ممن ينتمي إلى حركة التجَدِّيد التي يقوم أساسُها على فكر ضال ، أو هلوسة فلسفيَّة أو مذهب غنوصي منحرف ومن هؤلاء الرجال المحسوبين على العلم ، الملقَّنين بغير وعي ولا فهم ، محقق رسالة مسألة التسمية لأبي طاهر المقدسي ... حيث قال في تعليقه على قول ابن طاهر : ( ولا أُخْرِجَ منهما في الكتابين الصحيحين - اللذين أجمع المُسْلِمون على صحة ما أخرج فيهما حرف واحد يدل على أن النَّبِيّ جهر بِها في الصلاة ) إ.هـ قال المحقق في الصفحة العشرين من مسألة التسمية : ولا يخفى أن حكاية الإجماع والتلقي تفصيلا غير صحيحة ، فإن العلماء المحققين في القديم والحديث ما زالوا ولا يزالون يعلُّون أحاديثهما فهذا البُخَارِيّ نفسه يعل حديثا في مُسْلِمٍ ، ومُسْلِمٌ يعل حديثا في البُخَارِيّ ، والتِّرْمِذِيّ يعل حديثا في البُخَارِيّ ، لماذا لا يَرْدَعْه هذا الإجماع الذي حكاه المصنف ؟!! وهذا إمام أهل العلل صنف جزءً لطيفا لانتقاد الكتابين ، ومن بعد تتابع العلماء إلى الحافظ ابن حجر شيخ الإسلام فانتقد أحاديث في البُخَارِيّ مع كونه حكى هذا الإجماع ثم قال هذا المحقق : انظر على سبيل المثال ( 3/ 256) من فتح الباري ، إلى أن جاء العلامة الصنعاني وأبطل دعوى الإجماع في كل حرف من صحيح البُخَارِيّ وإن كان يرى أن هناك إجماعا بالجملة . ولكننا نقول : على فرض إمكان الإجماع وحجيته ، فإن الشرط الذي وضعه الجمهور لثبوت الإجماع قد خُرِم ؛ فإن جهابذة من العلماء قد أعلُّوا أحاديثهما انتهى كلام المحقق !! قلت : عجيب من هذا الذي لا يفرق بين لا الناهية ولا النافية في عبارته ويخطئ في النحو والإملاء في كثير من عباراته في الكتاب ... عجيب من هذا الكسيح الكسير يتجرأ هذه الجرأة العجيـبة على كتاب هو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، و يقول ما قال !! وإنَّ هذا من أولئك القوم الذين لا عمل لهم إلا البحث عن هفوات العلماء ، وسقطات البلغاء ، و تتبع الثلمات في جدر الحصون المنيعة على الأشقياء ، يمكن أن يلجوا من خلالها إلى الطعن في فلان وعلاَّن ، إلى درجة أن وصل الأمر بمن يدَّعون أنَّهم من أهل الحديث والمتبعون سلف الأمة ، يطعنون - لا في أفكار بعض العلماء - بل في عقيدتِهم كذلك ، بل الطعن في كل من ينتمي إلى الحركات الإسلامية التي تخالفهم في الرأي وأقول إن هذه الطعون من هؤلاء ، قد تَهون إذا قسنا هذه الطعون بِالطعن في صحيح البُخَارِيّ , إذ إنَّ الطعن في الصحيحين أو أحدهما طعن للسُّنَّةِ في أهَمِّ أسسها ، وهدم للدين من أعظم أركانه ، فإذا تَمَّ قبول الطعن في أصح كتاب بعد كتاب الله ، بات قبول الطعن فيما سواهما أهون ، والتجرؤ على من دونَهما أسهل ، وبِهذا تنسف السُّنَّةُ كلُّها من جذورها ، ويتشكَّك الناس في كل ما ورد عن رسول الله ما دام وصل الشك إلى الصحيحين !! ونحن إذ نحقق المسألة في هذا نجده من تلبيس إبليس فهو إمَّا افتراء من متحامل موتور ، أومُتقوِّلٍ قول زور ، يَدفعهما مرض في النفوس كامن ، وهوى في العقول متَّبَع ، من أنصاف المتعلمين ، من كل مُصْحَفِيٍّ مُعَمَّمٍ ، أو صُحُفِيٍّ على غير عالم تعلَّم ، وهنا مكمن الخطر ، إذ إن عامة الأمة هم اليوم من العوام ، فأيَّما ناعق نعق اتبعوه ، وأيَّما مستشرف رئاسة أمر رفعوه وبجَّلوه ، و لو كان من أجهل خلق الله بالدين ، وأكثرهم ضعفا في يقين ، لكن ذلك - بحمد الله - لا ينطلي على الجهابذة من العلماء المحققين ،ولا طلبة العلم الشرعي المدققين ، وإن انطلي على السُّذَّجِ من المغفلين ، والحمقى المغرورين ؛ وتدليس هذا المحقق الظاهري الجديد يظهر في عباراته التالية : 1- حيث يظهر التدليس في قوله : ( فإن العلماء المحققين في القديم والحديث ما زالوا ولا يزالون يعلون أحاديثهما ) من هم هؤلاء ؟ إنه لم يذكر اسم واحد منهم ولا المصادر التي رجع إليها في ذلك ، ولعله قرأ ذلك القول في كتاب فردده دون علم ولا بصيرة ، والله لا يؤتي البصيرة إلاَّ لأوليائه المقرَّبين ، ولا يسدِّد في الأمر إلا عباده المخلَصين ؛ 2- ويظهر التدليس في قوله : ( فهذا البُخَارِيّ نفسه يعلُّ حديثا في مُسْلِم ، ومُسْلِم يعلُّ حديثا في البُخَارِيّ ، والتِّرْمِذِيّ يعلُّ حديثا في البُخَارِيّ ) لم يذكر هذه الأحاديث حتى يبحث في أمرها ؛ والذي عرَفه العلماء أن مُسْلِما عرف فضل البُخَارِيَّ فَقَدَره قَدْرَهُ ، وجلس أمامه مجلس التلميذ من أستاذه ، والمريد من شيخه ، فقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن مُسْلِمًا قَدِمَ على البُخَارِيّ ، فقرأ عليه إنسانٌ حديث حجاج بن محمد عن ابن جُرَيْج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيّ في كفارة المجلس فقال مُسْلِم : في الدنيا أحسن من هذا ؟ تعرف بِهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا ؟ ( موجها كلامه للإمام البُخَارِيّ ) فقال محمد بن إسماعيل : لا ، إنه معلول ، فقال مُسْلِم : لا إله إلا الله – وارتعد - أَخْبِرْنِي بِهِ ، فقال ( أي البُخَارِيّ ) : استر ما ستر الله ، فألَحَّ عليه ، وقبَّل رأسه وكاد أن يبكي ، فقال : اكتب إن كان لا بد ، حَدَّثَناَ موسى ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبدالله : ( وذكر حديث كفارة المجلس ) فقال له مُسْلِم : لا يَبْغَضُكَ إلا حاسد ، وأشهد أَنْ ليس في الدنيا مثلك وقال تاج الدين السبكي في طبقاته بسنده إلى أبي حامد بن حمدون قال سمعت مُسْلِمَ بن الحجاج وقد جاء إلى محمد بن إسماعيل البُخَارِيّ فقبَّله بين عينيه وقال دعني أقبِّلْ رجليك يا أستاذ الأُستاذِين ، وسَيَّدَ المحدِّثين ، وطبيب الحديث وعلله ؛ هذا ما أثر عن مُسْلِم في موقفه من البُخَارِيّ ، فأين ما يحكيه هذا المحقق ومن أين أتى بِهذا الإفك ؟ 3- ويظهر التدليس في قوله : ( وهذا إمام أهل العلل صنف جزءاً لطيفا لانتقاد الكتابين ) ويقصد به الإمام الدَّارَقُطْنِيّ ، فقد ألف الدَّارَقُطْنِيّ كتابا سماه ( الاستدراكات والتَّتَبُّع ) تتبع فيه على البُخَارِيّ ومُسْلِمٍ أحاديثَ بلغت المائتين في كلا الصحيحين !! وقد قال الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ( ت676هـ ) في مقدمة شرح البُخَارِيّ عن هذا المستدرك : إنه مبني على قواعد بعض المحدِّثين ضعيفة جدا ، مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم ، فلا تغترَّ بذلك . وقال إمام أئمة بلاد الهند الشيخ محمد أنور الكشميري - رحمه الله - في فيض الباري شرح صحيح البُخَارِيّ عن هذا المستدرك : ثم إن الدَّارَقُطْنِيّ تتبع على البُخَارِيّ في أزيد من مائة موضع ، ولم يستطع أن يتكلم إلا في الأسانيد بالوصل والإرسال ، غير موضع واحد ، وهو ( إذا جاء أحدكم والإمام يخطب ، فليصل ركعتين وليتجوز فيهما ) فإنه تكلم فيه فيما يتعلق بالمتن إ.هـ وذكر الخطيب أن أبا بكر البرقاني أكثر الثناء على الدَّارَقُطْنِيّ بحضرة أبي مُسْلِم بن مهران فقال له أبو مُسْلِم : أراك تفرط في وصفه بالحفظ ، فَتَسْأَلْه عن حديث الرضراض عن ابن مسعود ؟ ... فأملى عَلَيَّ أبو الحسن ( أي الدَّارَقُطْنِيّ ) حديث الرضراض باختلاف وجوهه ، وذكر خطأ البُخَارِيّ فيه ، فألحقته بالعلل ونقلته فيها إ.هـ وذكر الحافظ في لسان الميزان أن الدَّارَقُطْنِيّ روى في غرائب مالك عدة أحاديث عن أبي الفرج الأصبهاني ولم يتعرض له ، مع أنه متكلَّم فيه فقد قال عنه الحسن بن الحسين النوبختي : كان أبو الفرج الأصبهاني أكذب الناس كان يشتري شيئا كثيرا من الصحف ثم تكون رواياته كلها منها !! وذكر مثله الذَّهَبِيّ في ميزانه في ترجمة أبي الفرج الأصفهاني ؛ وصنيع الدَّارَقُطْنِيّ هذا عجيب ، إذ كيف لا يتعرَّض لأبي الفرج الأصفهاني وهوأكذب الناس ثم يطعن في رجال البُخَارِيّ الثقات !! 4- ويظهر التدليس في قوله : ( إمام أهل العلل ) ويقصد به الإمام الدَّارَقُطْنِيّ ، وفي هذا تدليس على من ليس عنده اطلاع ولا علم بعلل الحديث ، فإن كان يقصد بالإمامة الأولية في الزمان فأوَّل من بحث في علم الرجال متتبعا ومتقصيا يحيى بن سعيد القطان الذي توفي عام ( 198هـ ) وأوَّل من ألف في العلل هو الحافظ الأصولي علي بن عبدالله المديني شيخ البُخَارِيّ الذي توفي سنة 234هـ فقد ألف ( علل الحديث ومعرفة الرجال ) وتبعه من بعد سائر الحفاظ فكتب الحافظ الحجة يحيى بن مَعِيْن الذي توفي عام ( 233هـ ) ( كتاب التاريخ والعلل ) والإمام المجاهد الزاهد أحمد بن حنبل الذي توفي عام ( 241هـ ) فألف ( العلل ومعرفة الرجال ) ، والإمام البُخَارِيّ الذي توفي عام ( 256هـ ) فألف ( كتاب التاريخ في علم الرجال ) و ( كتاب العلل ) ، والإمام الحافظ أبو يوسف يعقوب بن شيبة السدوسي البصري الذي توفي عام ( 262هـ ) فألف ( المسند المعلل ) ، والإمام عيسى بن سورة التِّرْمِذِيّ الذي توفي عام ( 279هـ ) وله في ذلك كتاب ( العلل ) والحافظ الحجة الثَّبْتُ محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي أبو حاتم الرازي وله ( علل الحديث ) وابنه الإمام الحافظ الثبت الحجة أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت327هـ ) صاحب كتاب الجرح والتَّعْدِيْل ، وكل هؤلاء سابقون على الدَّارَقُطْنِيّ ؛ وإن كان يقصد بالإمامة في العلل الأوَّلِيَّةَ في تقديم العلماء فَعَلِيُّ بن المديني له القِدْحُ المعلى في ذلك ، فقد قال عنه الإمام البُخَارِيّ : ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني ، وقال شيخ الإسلام أبو حاتم الرازي : كان علي بن المديني عَلَما في الناس في معرفة الحديث والعلل ، وكان الإمام أحمد لا يسمِّيه ، إنَّما يكنِّيه تبجيلا له ، قال وما سمعت أحمد سمَّاه قَطُّ وقال سفيان بن عيينة شيخه : تلومونني في حب علي ؟ والله والله لقد كنت أتعلَّم منه أكثر مما يتعلَّم منِّي ، وإني لأرغب بنفسي عن مجالستكم منذ ستين سنة ، ولولا علي بن المديني ما جلست وقال شيخه ابن مهدي : ابن المديني أعلم الناس بالحديث وخاصة بحديث ابن عيينة وقال النَّسائِي : كأنَّ الله خلق عليا لهذا الشأن يعني علل الحديث ، وقال شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني : أجَلُّ كتاب في العلل كتاب الحافظ ابن المديني هذه أقوال العلماء في ابن المديني وكتابه ، فأين قول هذا المحقق من كلام هؤلاء وغيرهم ؟ هذا وقد ألف علي بن المديني أكثر من ثلاثة عشر مؤلفا في علل الحديث ورجاله وحسب ، بَلْهِ الموضوعات الأخرى التي بلغت كتبه فيها حوالي مائتي كتاب ، أفاد الإمام البُخَارِيّ منها في أربعة وتسعين ومائتي موضع ثم إن الدَّارَقُطْنِيّ قد أَعَلَّ أسانيدَ رجالِهِ غَيْرُهُ ، ولكي يُعْرَفَ ذلك ، ليُنْظَرْ في كتاب ( التعليق المُغْنِي على سنن الدَّارَقُطْنِيّ ) للعظيم آبادي مثلا ، وليُقْرَأْْ كذلك كلامُ العلماء السابقين عن روايات الدَّارَقُطْنِيّ هذه ، حيث إنَّه أورد في كتابه أحاديث كثيرة ضعيفة ، بل إن بعضها داخل في باب الموضوع ، فهو يرويها إما عن مطعون في صدقه من الكذابين المتروكين ، أو عن مجهول الحال ممن لا يُعْرَفُ من المجاهيل المطمورين ، أو عن المستورين المغمورين بَلْهِ المطعون في ضبطه وحفظه من الضُّعفاء !! وأبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ شافعي المذهب ، ولعلَّ ما رَوَاهُ في البَسْمَلَة حصل منه كي يؤيد به قول الإمام الشافعي رحمه الله ؛ ورغم ثناء الكبار على الدَّارَقُطْنِيّ مثل الحاكم وأبي الطيب طاهر بن عبدالله الطبري والخطيب البغدادي والسمعاني وابن الأثير والذَّهَبِيّ والنووي ، إلا أنه تكلم فيه بدر الدين العيني وقال : هو مستحق التضعيف ، كما أنه اتُّهِم بالتشيع من أجل حفظه ديوان السيد الحميري وقال الخطيب في ترجمته : حَدَّثَنِي العتيقي قال حضرت أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ - وقد جاءه أبو الحسين البضاوي ببعض الغرباء وسأله أن يقرأ له شيئا – فامتنع ، واعتل ببعض العلل ، فقال : هذا غريب ، وسأله أن يملي عليه أحاديث ، فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا يزيد عدد أحاديثه على العشرة متون ، جميعها نعم الشيء الهدية أمام الحاجة وانصرف الرجل ، ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئا ، فقرَّبه وأملى عليه من حفظه بضعة عشر حديثا متون جميعها إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه !! على أنه - إنصافا للحقيقة - ينبغي أن يعرف أَنْ ليس الذي استَدَرَك على الصحيحين هو الدَّارَقُطْنِيُّ وحده وحسب بل هناك آخرون منهم : - أبو عمر جمال الدين أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر القرطبي وله ( الأجوبة الموعبة على المسائل المستغربة ) وكان قد سئل عنها المهلب بن أبي صفرة الأزدي - وأبو مسعود الدمشقي وله كتاب ( الاستدراك ) ولم يكن استدراكه استدراك فوات كما فعل الحاكم النَّيْسَابُورِيّ بل استدراك علل لأسانيد البُخَارِيّ كما فعل الدَّارَقُطْنِيّ - وأبو علي الحسين بن محمد الغساني الجياني وله كتاب ( تقييد المهمل ) في علل عدة أحاديث في البُخَارِيّ - وأبو محمد بن حزم الظاهري حيث انتقد حديثا في صحيح البُخَارِيّ وهو حديث أَنَس في شق الصدر الشريف وحديثا في صحيح مُسْلِم وهو أن المُسْلِمين كانوا لا يناظرون أبا سفيان ولا يقاعدونه وهذان الحديثان قد أثار حولهما النَّقْعَ- في عصرنا هذا الظاهري الجَدِّيد- أبو عبدالرحمن بن عقيل في بعض الصحف النجَدِّية ، وسوَّد صفحات فيها بمداد الإفك !! وظهر آخرون في عصرنا هذا كذلك ممن انتقدوا أحاديث في الصحيحين وفي غيرها - سواء عن قصد أو عن غير قصد ، إرضاء لفئات من الناس ، وهم ليسوا من أئمة الحديث ولا رجاله ، واحدهم انتقد حديث الذبابة ، وقد رد عليه الدكتور خليل بن إبراهيم ملا خاطر في كتاب مستقل ، وثانيهم وقد سمعته بأذني عبر إحدى الإذاعات المرئية وقد سئل عن حديث الافتراق فقال أنا أشك في هذا الحديث !! والحديث هذا ورد بلفظ تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا فرقة واحدة ، قالوا : يا رسول الله من هم ؟ قال : الزنادقة وهم القدرية قال السُّيُوْطِيّ في اللآلئ المصنوعة لا أصل له إ.هـ ومن متن لفظ هذه الرواية تتبيَّن الركاكة في ألفاظه ، وهو أمر ينزَّه عنه أفصح العرب لسانا ولعل هذا الذي جعل الشيخ يتوهم الشك في الحديث , وهو ليس كما ظن ، فالحديث الصحيح بِهذا المعنى قد ورد ، ولفظه : تفترق أمتي على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قلنا من هي يا رسول الله قال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي وقد رَوَاهُ عن النَّبِيّ أبو هُرَيْرَةَ ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهم - وأخرجه أبو داود وابن ماجهٍ والتِّرْمِذِيّ في سننهم وأحمد في المسند والدَّارِمِيّ في صحيحه وابن أبي عاصم في معجمه والسُّيُوْطِيّ في الجامع الصغير وصححه في عصرنا محدِّث الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع ؛ أما عن انتقاد الدَّارَقُطْنِيّ أحاديثَ ورجالَ صحيح البُخَارِيّ ، فقد بَيَّنَ عَوار انتقاده هذا علماءُ عصره ، أو من أتوا من بعده ، فقد ردَّ علماءُ أفذاذ على أمثال الدَّارَقُطْنِيّ من العلماء السابقين ، وكذا على البغاث المتسلقين من المتأخرين ، ففنَّدوا أقوالهم وبينوا زِيفَ ما يدَّعون ؛ ومن هؤلاء السابقين الذين ردوا على منتقدي الصحيحين : - أبو سُلَيْمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي ( ت 338هـ ) وله شرح على صحيح البُخَارِيّ سماه ( أعلام السنن ) قال عنه حاجي خليفة في كشف الظنون إنه شرح لطيف فيه نكت لطيفة ولطائف شريفة - ونجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي الحنفي ( ت537هـ ) وله ( النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح ) - والحافظ أبو الحسن رشيد الدين يحيى بن علي القرشي العطار المالكي ( ت662هـ ) وله في ذلك ( غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مُسْلِم من الأحاديث المقطوعة ) - وجمال الدين محمد بن عبدالله بن مالك النحوي ( ت672هـ ) وله شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح ) - والإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ( ت676هـ ) في مقدمة شرح البُخَارِيّ - وشمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني ( ت796هـ ) وله( الكواكب الدراري ) لكن قال ابن حجر في الدرر الكامنة : وهو شرح مفيد على أوهام فيه في النقل لأنه لم يأخذه إلا من الصحف - والحافظ زين الدين العراقي ( ت806هـ ) وله في ذلك كتاب ( التبصرة والتذكرة ) وهي الألفيةُ وشَرْحُها ؛ - وجلال الدين عبدالرحمن بن عمر البلقيني ( 824هـ ) وله فيه كتاب ( الإفهام بما وقع في البُخَارِيّ من الإبْهام ) - ووليُّ الدين أبو زُرْعَةَ أحمد بن عبد الرحيم العراقي والد الحافظ العراقي ( ت826هـ ) وله في ذلك كتاب ( ما ضعِّف من أحاديث الصحيحين والجواب عنه ) - وإبراهيم بن محمد الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي ( ت841هـ ) وله ( التلقيح لفهم قارئ الصحيح ) -والحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( 852هـ ) وذلك في هدي الساري مقدمة شرح صحيح البُخَارِيّ ، وكذا في ثنايا فتح الباري ، وقد تكلم على الأحاديث التي انتقدت على البُخَارِيّ وعِدَّتُها مائة وعشرة أحاديث ، وشاركه مُسْلِم باثنين وثلاثين حديثا وانفرد بثمان وسبعين حديثا ، وقد تكلم عليها الحافظ حديثا حديثا - وأبو ذر أحمد بن إبراهيم ابن السبط الحلبي ( ت884هـ ) وله في ذلك كتاب ( التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح ) - والحافظ أبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن فهد المَكِّيّ ( ت889هـ ) وله في ذلك ( لحظ الألحاظ ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي ) وهناك من شرَّاح البُخَارِيّ مَنْ تناول عدَّة أحاديث وبَيَّنَ زِيْفَ ما قيل حولها من اعتراضات ، ومن هؤلاء -الحافظ أبو الفدا ابن كثير الدمشقي ، فقد ألف جزءا على حديث ابن عباس في قصة طلب أبي سفيان تزويج أم حبيبة رضي الله عنها من النَّبِيّ - كما ألف الحافظ ابن طاهر جزءاً في الجواب على حديث أَنَس في الإسراء وشق الصدر ؛ - وكتب في عصرنا الحاضر الدكتور الهمام خليل بن إبراهيم ملا خاطر من علماء الحجاز كتابا عن حديث الذبابة ؛ 5- ويظهر التدليس في قول المحقق : ( ومن بَعْدُ تتابع العلماء إلى الحافظ ابن حجر ... ) لم يذكر من هؤلاء العلماء المتتابعون حتى يُرجع إلى كلامهم الذي نقل عنهم أو سطَّروه ، مع أن المتتابعين من السابقين - وهم أعرف الناس بالإمام وكتابه - أثنوا عليه ثناء عاطرا ، وأطروه إطراءً لا مثيل له ولا حد في إطراء كتاب وكاتب من الناس في الدنيا على امتداد العصور ، ولينظر ذلك الثناء والإطراء وبيان المنزلة في العلم والدين والتقوى للإمام البُخَارِيّ في ترجمة الخطيب في تاريخه والمزي في تَهذيبه ، والسبكي في طبقاته وغيرها ، ليعلم كم للرجل - رحمه الله - ولكتابه من منزلة عند العلماء بل عند الأمة عامة ، حتى صار إجماعالم يخرقه إلا قوم مُتَعَنِّتُوْنَ ، أو سفهاء جاهلون ؛ قلت : أفبعد أقوال هؤلاء العلماء الأفذاذ يوزن كلام من يأتي من البغاث في زماننا هذا - ممن لا يوزنون بِذَرَّةٍ من تراب نعله ، أو ببعرة في ذيل بعيره - في التوهين من مكانة الإمام البُخَارِيّ ومكانة صحيحه ؟ 6- ويظهر التدليس في قول المحقق : ( الحافظ ابن حجر شيخ الإسلام فانتقد أحاديث في البُخَارِيّ مع كونه حكى هذا الإجماع ؛ انظر على سبيل المثال ( 3/256 ) من فتح الباري ) إ.هـ ولقد علمنا قول الحافظ في الثناء على البُخَارِيّ وصحيحه ، لكن مع ذلك لنرجع إلى فتح الباري وإلى الصفحة التي ذكرها والتي تليها لنَتَبَيَّنَ الحقيقة ، لنجد في الفتح الكلامَ على صفة قبر النَّبِيّ وصاحبيه رضي الله عنهما في الجزء الثالث وفي الصحيفتين ست وخمسين ومائتين وسبع وخمسين ومائتين حيث أورد ابن حجر رواية الإمام البُخَارِيّ وهي : ( حَدَّثَناَ محمد بن مقاتل أخبرنا عبدالله أخبرنا أبو بكر بن عياش عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النَّبِيّ مُسَنَّماً ) وشَرَحَ الروايةَ الحافظ ابنُ حجر بقوله : قوله عن سفيان التمار ، هو ابن دينار على الصحيح وقيل ابن زياد والصواب أنه غيره ، وكل منهما عصفري كوفي ، وهو من كبار التابعين ، وقد لحق عصر الصحابة ، ولَمْ أَرَ له رواية عن صحابي ، قوله ( مسنما ) أي مرتفعا ، زاد أبو نُعَيْم في المستخرج ، وقبر أبي بكر وعمر كذلك ، واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور ، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية ، وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه ، وتُعِقِّبَ بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح كما نص عليه الشافعي وبه جزم الماوردي وآخرون ، وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البَيْهَقِيّ لاحتمال أن قبره لم يكن في الأول مسنما وساق رواية أبي داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال دخلت على عائشة فقلت : يا أُمَّةُ اكشفي لي عن قبر رسول الله و صاحبيه ، فكَشَفَتْ له عن ثلاثة قبور لا مشرَّفة ولا لاطِئَةٍ ، مبطوحة ببطحاء العَرَصَةِ الحمراء قال ابن حجر : وهذا كان في خلافة معاوية ، فكأنَّها كانت في الأول مسطحة ثم لما بُني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قِبَلِ الوليد بن عبد الملك صيَّروها مرتفعة ثم قال ابن حج
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
منزلة الصحيحين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الاسلامى العام :: قسم الاعجاز العلمى واللغوى فى القرأن الكريم-
انتقل الى: